منذ سبع سنوات، والفنانة أصالة نصري مغيّبة عن الأثير السوري، إما لتوجيهات رسمية للإذاعات الحكومية، أو لرقابة ذاتية مارسها أصحاب إذاعات الـ FM الخاصة على أنفسهم.
اختفى صوت صاحبة «الشخصية العنيدة» كلياً في الشام، بعد اتخاذها موقفاً معارضاً، دعمت فيه بشكل صريح ومباشر «الثورة السورية» منذ بدايتها في آذار (مارس) 2011، ووصل الأمر بصاحبة «حماك الله يا أسد» إلى إطلاق أغنية معارضة للرئيس السوري بشار الأسد، بعدما وصفته بـ «حارس أحلام الشام» عند تجديد الولاية للمرة الأولى عام 2007. تركت «صولا» فراغاً كبيراً في الأثير، بعدما نالت «حصة الأسد» من التغطية الإذاعية والتلفزيونية في سوريا، منذ انطلاقتها الفنية في تسعينيات القرن الماضي. اليوم، بات من يستمع إلى منشدة «هذي دمشق» لنزار قباني، مشكوكاً في وطنيته، ومن يشاهدها متهماً بالخيانة.
لكن الجمهور الذي قلّما تعنيه عادة آراء الفنان السياسية، اخترق الحظر الحكومي والخاص، ووجد طريقه عبر الانترنت وصولاً إلى «ضالته»، وتحميل أغنيات ألبوماتها الجديدة. وهكذا بقيت ابنة مصطفى نصري على هواتف السوريين في «خانات الذكريات».
اليوم عادت نجمة «م بقاش أنا» إلى الواجهة في سوريا، بعدما طرحت ألبومها الجديد «مهتمة بالتفاصيل» من إنتاج شركة «ستار غيت» لزوجها المخرج طارق العريان. بدت أمّ شام «مهتمة بالتفاصيل» فعلاً في الألبوم، ابتداءً من الكلمة واللحن والتوزيع، وانتهاءً بالصورة وأسلوب العرض والتوقيت.
ويضم الألبوم 13 أغنية، ثلاث منها باللهجة السورية القريبة من اللبنانية، إحداها من كلمات الشاعرة السورية سهام شعشاع بعنوان «رجع الفرح». استفزت الأغنيات الجديدة مشاعر السوريين «في الداخل»، وعبرّ المئات منهم عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. شاركوا أغنيات الألبوم على حساباتهم الشخصية، وتهرّب معظمهم من الموقف السياسي للفنانة السورية، ونوّه إلى أنه معجب بالأغنيات، وأن الرأي السياسي لا علاقة له بالرأي الفني، وكانت الجملة الأكثر تداولاً «بعيداً عن المواقف السياسية».
أحد الإعلاميين السوريين شارك أغنية من الألبوم، وكتب تعليقاً قال فيه: «بغض النظر عن كل شيء، ولكنها فنانة بكل ما تعنيه الكلمة، أصالة حالة استثنائية». آخرون شاركوا الأغنيات وطلبوا من أصدقائهم عدم الإدلاء بأي تعليق سياسي، ومنهم مراسلة إحدى الوكالات، حيث كتبت «وفّر رأيك السياسي لنفسك، هذه أغنية رائعة».
مدير إحدى الإذاعات الخاصة في سوريا، قال إن: «من يسمع أصالة صاحب ذوق فني رفيع، مع التحفظ على جميع مواقفها السياسية»، في حين شارك أحد العسكريين في الجيش السوري أغنية «شو بدك»، وقال إن «صوت أصالة جبّار ويلامس الروح، مهما فعلت لا أستطيع أن أكرهها».
وكتبت إحدى المعلّقات تعليقاً ساخراً على أغنية «صندوق صغير»، قالت فيه: «رغم كل شيء، لكن صوتها جميل جداً... للأسف»، فيما وجد أحد المعلّقين أن الألبوم «عودة قوية إلى اللهجة السورية»، ووصفه أحدهم بأنه «تحفة ومعجزة فنية، ومن أجمل ما قدمته النجمة السورية في تاريخها الفني».
وعلّق أحد الصحافيين على صفحته قائلاً: «اليوم أجمع السوريون مؤيدون ومعارضون على القيمة الفنية لألبوم أصالة الأخير».
أجمعَ النقاّد على أن أصالة خسرت الكثير من الجمهور على أرضها، في وقت نأى فيه معظم الفنانون عن التعبير عن آرائهم السياسية. ومن مبدأ «البزنس»، استمعوا لنصائح مديري أعمالهم، واتخذوا مواقف «رمادية» كي لا يخسروا جمهورهم، ولكن أليس الفنان إنساناً، يحق له التعبير عن رأيه؟
منذ اليوم الاول من الأزمة، دعت الدولة السورية للمصالحة، وأنشأت وزارة بهذا الاسم لتسوية أوضاع المطلوبين. وخلال السنوات السبع الماضية، عاد الآلاف ممن حملوا السلاح إلى «حضن الوطن». اللاعب السوري فراس الخطيب عاد إلى منتخب بلاده، وحقق نتائج طيبة، وفُتحت له قاعات الشرف في دمشق في استقبال رسمي مهيب، رغم تعبيره عن موقف سياسي معارض، ومؤيد للثورة السورية في بدايتها... فماذا عن أصالة وغيرها من الفنانين المعارضين؟ أليس من حقهم العودة إلى اثير وشاشات القنوات السورية، هم الذين لم يتورطوا في دم واقتتال ولم يحملوا السلاح، بل جل «خطيئتهم» أنّهم عبّروا عن رأيهم و«قناعاتهم»؟