دمشق | لم يتوقع المسؤولون القيّمون على تنظيم الدورة التاسعة والخمسين من معرض دمشق الدولي، في أقصى طموحاتهم، أن يصل عدد زوار المعرض لهذا العام إلى 700 ألف، وفق الأرقام الرسمية المعلنة.
ازدحام غير مسبوق شهدته أرض مدينة المعارض التي استضافت المعرض بعد انقطاعه لخمس سنوات، إثر الحرب التي منعت إقامة فعاليات بهذه الضخامة خشية حوادث أمنية مفاجئة، ولا سيما أن مدينة المعارض تقع على طريق مطار دمشق الدولي، ولا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن مواقع تم استهدافها أو السيطرة عليها من قبل الفصائل المسلحة في الغوطة الشرقية.
واستقبل المعرض عشرات الوفود العربية والأجنبية من دول عديدة، بينها بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا والإمارات والأردن وغيرها، وضم أجنحة متنوعة تشمل كل القطاعات التي تهم المواطنين ورجال الأعمال، الساعين إلى وجود على خريطة إعادة الإعمار. وشهد حضور ورش إعلامية في أجنحة تابعة لوسائل إعلام رسمية، بالتزامن مع إطلاق جريدة «أيام المعرض» وتطبيق خاص عبر الهواتف الذكية باسم «DIF59». كذلك، تعددت جنسيات المخترعين الذين قدموا 650 اختراعاً ضمن جناح معرض الباسل، بينها مساهمات في مجال الطاقة البديلة وإعادة الإعمار والصناعة والتجارة وخدمات إضافية أُخرى.
تفاصيل عديدة رافقت المعرض، تشي بتعطش السوريين إلى عودته قِبلة الشرق والغرب، لتبدو أيام دمشق الحالية كما لو أنها هاربة من مرحلة ما قبل 2011. فنانون سوريون ولبنانيون يحيون ليالي المعرض، وموسيقى متضاربة بين مبنى وآخر من مباني مدينة المعارض المترامية الأطراف. نساء يعقدن حلقات دبكة محتفيات بأيام من الفرح، على أمل أن يدوم في أيام قادمة. قذيفة واحدة أطلقها مسلحو الغوطة في اليوم الثالث خرقت أمان المعرض، وأودت بحياة 6 أشخاص من موظفي وزوار المعرض. وكما هي دمشق التي عوّدتها الحرب أن تكون قيامتها سريعة، قصد الدمشقيون وزوار العاصمة أجنحة المعرض في اليوم نفسه، وكأن شيئاً لم يكن.

شهدت شوارع دمشق إصلاحات سريعة قبل أيام فقط من الافتتاح

سوء التنظيم لم يكن بحاجة إلى براهين لملاحظته، على الرغم من اعتذار المنظمين لعدم توقعهم أعداد الحضور، وإعلانهم تنظيم النقل المجاني للمواطنين عبر 120 حافلة، وفتح طرق إضافية تجنباً للاختناق المروري، إضافة إلى تقديم طعام وشراب مجانيين أيضاً. في النهاية، بقيت بعض مشاهد الفوضى السائدة مجرد تفاصيل مترفة عن حدث ضخم استقطب العالم إلى بلد يشهد حرباً مدمرة. ومن الطرافة أن مدينة المعارض شهدت حالة ولادة لطفل، بعدما أمضت والدته ساعات طويلة عالقة في زحام المعرض، ما أفضى إلى محاولات من عدة نساء لمساعدتها على إتمام الولادة، ريثما تصل سيارة الإسعاف. حادثة تداولها السوريون بابتسامات وتفاؤل، وسط توصيف دقيق لما يجري على أنه توق إلى فرح بدأ يسيطر على كل شوارع العاصمة. فمشهد الدمشقيين الجالسين على العشب قرب سور باب شرقي، والذي لا بد من المرور بمحاذاته على المتحلق أثناء العودة من مدينة المعارض، يوحي بـ«سيران» آخر يمضيه السوريون الباحثون عن أجواء أكثر هدوءاً في ليالي العاصمة. وهُنا لا بد من الإشارة إلى إصلاحات سريعة شهدتها شوارع دمشق خلال أيام قليلة قبيل افتتاح المعرض، كما لو أن الأمر تحوّل فجأة إلى مجرد «كبسة زر» بالنسبة إلى مسؤولي المدينة. فيما بقي صوت فيروز يصدح في أجواء المعرض ووسائل الإعلام الرسمية، مذكّراً بـ«أيام زمان» وأمجاد المعرض القديمة. «يا شام عاد الصيف» هي الأغنية التي لطالما عنت الكثير لمعرض دمشق الدولي وزواره، ولصيف دمشق الذي افتقد السلام طيلة 6 سنوات.
واحتل مشروع الإصلاح الإداري مكاناً هاماً بين أجنحة المعرض، إذ انشغل بضعة شبان وشابات يتسمون بالأناقة واللباقة، بالتواصل مع الزوار المتسائلين عن ماهية الأجنحة والخدمات التي تقدمها. ويمكن أن يلحظ الزائر وجود متدربين عدة يعقدون حلقة حول مدرب للتنمية البشرية. وعند السؤال عن الأمر، يتضح أنها دورات مجانية تجريها وزارة التنمية الإدارية في الجناح التابع لها، بحضور مدرب مختص. كما يجري التلفزيون الرسمي في القسم ذاته حلقات يومية تبث مباشرة مع سياسيين وفنانين ومثقفين، وتعنى بشكل رئيسي بشرح وتبسيط بنود ومفاهيم «مشروع الإصلاح الإداري»، الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد قبل أشهر.