أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فجر أمس، «بدء عملية تحرير تلعفر»، معتبراً أنه «لا خيارَ (لعناصر تنظيم داعش) إلا الاستسلام أو القتل». وأتى ذلك بعد أشهر من تأخر إطلاق عمليات استعادة القضاء الاستراتيجي في شمال العراق، لأسباب تتقاطع فيها المعطيات الإقليمية والميدانية.
وفي الأيام الأخيرة، كان الجميع يتهيأ للساعة الصفر، وخاصة أنّ القضاء بات محاصراً من جميع جهاته منذ شهر حزيران مع انتهاء عمليات استعادة مدينة الموصل الواقعة على بعد نحو 60 كيلومتراً في شرق القضاء. ويوم الجمعة الماضي، أعلنت قيادة العمليات المشتركة تسمية العمليات «قادمون يا تلعفر»، بينما تناقل إعلاميون عراقيون في وقت لاحق أن «القادة في جهاز مكافحة الإرهاب: عبد الغني الأسدي، عبد الوهاب الساعدي وسامي العارضي، جرى تكليفهم بقيادة محاور التحرير»، فيما تولى الفريق الركن عبد الأمير رشيد يارالله، قيادة العمليات.
ورغم استعادة القوات العراقية غالبية المناطق التي اجتاحها «داعش» خلال هجومه الواسع في صيف 2014، إلا أن الأخير لا يزال مسيطراً، إلى جانب تلعفر، على منطقة الحويجة في محافظة كركوك، ومنطقة القائم الحدودية مع سوريا في محافظة الأنبار في غرب البلاد.
وفي كلمة متلفزة، أوضح العبادي أنّ القوات المشاركة في المعركة «تتشكل من الجيش، ومن مقاتلي جهاز مكافحة الإرهاب، ومن الشرطة الاتحادية، وهيئة الحشد الشعبي، والشرطة المحلية، ويساندهم طيران الجيش والقوة الجوية العراقية»، مشيراً أيضاً إلى أنّ «التحالف الدولي» يشارك من خلال «المساندة الجوية». وقبل ساعات من إعلان العبادي، أسقطت القوات الجوية العراقية منشورات على المدينة طلبت فيها من السكان اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وتقول لهم: «جهزوا أنفسكم من الآن، فالمعركة قريبة، والنصر آت». وتمتد المنطقة المستهدفة بهذه العمليات في جبهة بطول نحو 60 كيلومتراً، وبعرض نحو 40 كيلومتراً، وتشمل بصورة رئيسية مدينة تلعفر (مركز القضاء) وبلدتي العياضية والمحلبية، فضلاً عن 47 قرية.
وفي بيان صدر مساء أمس، أعلن «الحشد الشعبي» أنّه تمّ «تحرير 12 قرية وأربع تلال موزعة على المحورين الجنوبي ــ الشرقي والجنوبي ــ الغربي»، لافتاً إلى «قطع طريق المحلبية ــ تلعفر الواقع في شرق القضاء، والذي يُعدُّ من أهم الطرق الاستراتيجية بين الموصل وتلعفر».
وتكتسب مدينة تلعفر أهمية استراتيجية لمرور الطريق البري الواصل بين غرب العراق وشرق سوريا بها، وهي آخر أكبر معاقل «داعش» في محافظة نينوى، وتبعد عن الحدود السورية نحو 80 كيلومتراً. وكان لافتاً أمس، ترحيب قائد القوات الأميركية وقوات «التحالف الدولي» في العراق وسوريا الجنرال ستيفن تاونسند، ببيان رئيس الوزراء العراقي. وقال إن «عملية قوات الأمن العراقية لتحرير تلعفر هي معركة مهمة أخرى يجب كسبها لضمان أن البلاد والمواطنين في النهاية متحررون من داعش».
وثمة من يرى أن اقتراب الجيش السوري وحلفائه من الجهة الأخرى للحدود من مدينة دير الزور وتوسيع حضوره في شرق البلاد، فرضا التوقيت الحالي لمعركة تلعفر. ويُرجّح مسؤولون عسكريون أميركيون وعراقيون وجود نحو ألفي مقاتل يتبعون لـ«داعش» في القضاء. وفي تصريح صحافي أخير للمتحدث باسم «التحالف الدولي» ريان ديلون، عبّر عن اعتقاده بأنّ «إخراج داعش من أحد معاقله الأخيرة في العراق سيكون صعباً». ويلتقي هذا الترجيح مع ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» أمس، لناحية أنّ «مسؤولين عسكريين أميركيين زاروا بغداد في الأيام الماضية، حيث حذروا من أنّ المعارك التي قد تستمر لأسابيع أو أشهر، ممكن أن تكون عنيفة ودموية بالنظر إلى أنّه لا سبيل لمقاتلي التنظيم للهرب». في مقابل هذه الترجيحات، هناك من يرى أنّ المعارك لن تمتد لوقت طويل. وفي هذا الخصوص، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية موفق الربيعي، إنّ «المعركة ستكون سريعة، لخلوّ القضاء من المدنيين، حيث إن أغلب الموجودين هناك من داعش»، علماً بأن من الصعب تحديد عدد المدنيين الموجودين داخل تلعفر، إذ إنهم على غرار المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة «داعش»، لا يمكنهم التواصل مع الخارج. وبحسب «التحالف الدولي»، هناك ما يقدّر ما بين عشرة آلاف و50 ألف مدني لا يزالون في المدينة وفي محيطها.
ومنذ انطلاق عمليات استعادة مدينة الموصل في نهاية العام الماضي، تحدث كثيرون في العراق عن أنّ القيادة السياسية في بغداد أجّلت مراراً بدء عمليات استعادة القضاء «بضغوط أميركية، وذلك بغية منع الحشد الشعبي من الدخول إليها وفق تبريرات الحساسيات الطائفية، وبغية منع الترابط الميداني بين غرب العراق وشرق سوريا»، الأمر الذي يطرح أسئلة بشأن توقيت إطلاق العمليات الآن.
وفي خضم تطورات معارك الموصل، تمكن «الحشد» في تشرين الثاني 2016 من السيطرة على «مطار تلعفر». وفي تلك المرحلة التي كان يكثر فيها الجدال، محلياً وإقليمياً (وخاصة من جهة تركيا، السعودية وقطر)، بشأن دور «الحشد» في معارك الشمال العراقي، كتب الباحث في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» مايكل نايتس، أنّ «الهجوم الذي شنته قوات الحشد الشعبي نحو تلعفر، لا يُرضي حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، أو الأكراد العراقيين، أو حتى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة». ومنذ سقوط الموصل وتمدد «داعش»، كانت وجوه عراقية تنتمي إلى نينوى تبحث عن سبل تحويل المحافظة إلى إقليم على غرار إقليم كردستان، يشمل محافظة خاصة بـ«سهل نينوى» يتوزع فيها النفوذ على «الأقليات المسيحية، الايزيدية والتركمانية» التي كان من المفترض تحديد نفوذها في تلعفر حيث يطغى حضورها الديموغرافي.
جدير بالذكر، أنه خلال الاحتلال الأميركي للعراق بين عامي 2003 و2011، اكتسبت مدينة تلعفر رمزية كبيرة لمواجهاتها المتعددة مع قوات الاحتلال، وهي تشابهت بذلك مع ما شهدته مدينة الفلوجة. ولأسباب عدة، عانت المدينة من أحداث طائفية ضخمة. ولعلّه من اللافت، أنّ مستشار الأمن القومي الأميركي الحالي هربرت ماكماستر، كان مسؤولاً عن عمليات اقتحام المدينة عام 2005، في مهمة كسب خلالها شهرة كبيرة، ونالت في حينه ثناء الرئيس الأسبق جورج بوش الابن.
(الأخبار)