«الغضب الساطع والصرخة المدوية». بهذه العبارات وجّه اتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية في بيروت دعوته إلى اللقاء من أجل التداول في قضية زيادة الأقساط، إلا أن مسار اللقاء بدا موجهاً ضد حقوق المعلمين أكثر مما هو ضد زيادة الأقساط.
سارع رئيس الاتحاد، كامل الريشاني، إلى طمأنة «الأخت» المسؤولة عن المدرسة، التي حضرت إلى مكان اللقاء محتجة عليه، فأوضح الريشاني لها أن «تحركنا ليس اعتصاماً ضد المدرسة، بل صرخة لرفض أي زيادة على الأقساط، لكون الأهالي لا يستطيعون تحمُّل وزر السلسلة، ولتقم الدولة بما عليها لتمويل زيادات المعلمين، باعتبار أن الأرقام ليست وجهة نظر، وأن الزيادة على الرواتب تفترض حكماً زيادة على الأقساط وفق القانون 515، الذي يقسم الموازنة إلى 65% رواتب و35% مصاريف، ولا يستطيع النواب والوزراء أن يتحفونا بغير ذلك». وقال: «مثل ما سنّت الدولة السلسلة المهربة على رقاب الناس، فلتتفضل بتمويلها للقطاع الخاص أسوة بالزيادة الشعبوية والضرائب الانتخابية». وأعلن الريشاني أن الاتحاد الذي يقوده يطالب رئيس الجمهورية ميشال عون بردّ السلسلة إلى المجلس النيابي، حتى لا يظلم أحد من الناس، ولكون إقرارها سيضع العام الدراسي على المحك.
لم يختلف كلام الريشاني عن كلام أصحاب المدارس بشيء، بل تماهى مع مصالحهم. لم يطلب الريشاني، باسم الأهل، من وزارة التربية التشدد في التدقيق بموازنات المدارس ومراقبة الأقساط المدرسية وتفعيل المجالس التحكيمية، بل وافق على ما قالته المسؤولة عن المدرسة لجهة «أن الكلام على الزيادات التي فرضتها المدارس في السنوات الست الأخيرة بحجة السلسلة ليس واقعياً، فما فرضته المدارس الكاثوليكية تحديداً من زيادات كان لقاء التدرج الطبيعي للمعلمين»، طبعاً ردّد ذلك على مسامع «الأخت» والأهل من دون أن يقدم دليلاً واحداً يدعم ذلك. لم يخف الريشاني أنه قام بجولة برفقة الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، الأب بطرس عازار، على 17 مدرسة كاثوليكية، ليكتشف أن 70% من الأهالي لم يدفعوا أقساط أبنائهم. أراد أن يضع أصحاب المدارس كلياً خارج المواجهة منذ بداية اللقاء. وافقت المسؤولة عن المدرسة على مواصلة اللقاء بعد هذه التوضيحات، فصعد المجتمعون إلى الطبقة الأولى وتبادلوا وجهات النظر، وظهر أن هناك إجماعاً على رفض زيادة الأقساط رفضاً قاطعاً مهما كانت الأسباب... إلا أن هذا الإجماع قابله إجماع آخر على عدم مواجهة إدارات المدارس.
المداخلات التي دعت الأهل إلى التكتل ومنع أي زيادة على الأقساط لم يؤخَذ بها، على الرغم من أن بعضها انطلق من «مسلَّمات» خضوع التعليم لمفاهيم السوق الحرة. فقد دعت المحامية مايا جعارة بردويل، عضو إحدى لجان الأهل، إلى التحلي بالواقعية، على خلفية أننا «كلجان أهل ما فينا نعمل شي كتير، لا نستطيع أنّ نناقش إدارة المدرسة بخياراتها ونفتقد أي سلاح في مجابهتها، وخصوصاً أننا في اقتصاد حر، وفي موضوع المصاريف والإيجارات وبند التطوير المدرسي بيطلعولنا بمية فاتورة، ولو اعترضنا منفوت بالحيط، فالنقطة الوحيدة التي نستطيع التركيز عليها التوحد لرفض الزيادة». لا خيار فعلياً، بحسب جعارة، لـ72% من تلامذة لبنان المسجلين في التعليم الخاص، فالمدرسة الرسمية في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة تفتقر إلى الجودة، وتزايد الطلب على الخاص يرفع الأسعار. وسألت: «لماذا لا تُشرَك لجان الأهل بالقرارات، ولماذا لم تُدعَ إلى اللقاء الحواري في قصر بعبدا بشأن السلسلة والضرائب ما دام الأهالي سيموّلون الزيادة ولا يرضون بأن يكونوا شهود زورعليها؟».
يتدخل منير كيوان، رئيس لجنة الأهل في إحدى المدارس، ليقول أن «ليس لدى الأهالي حتى الآن كيان موحد يستطيعون أن يفاوضوا بواسطته، وهذا ما يجب أن نمأسسه». واقترح كيوان التمني على وزارة التربية إعادة دراسة الأقساط وتحديد مستوى الربحية للمدرسة، إلا أن اقتراحه لم ينل استحسان الحاضرين.

لجان الأهل البديلة: نحو المواجهة

في الوقت الذي اجتمعت فيه لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية في بيروت، كانت هيئة تنسيق لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان تعقد اجتماعاً لإصدار بيانها التأسيسي.
تحاول هذه الهيئة إقناع الأهالي بجدوى خوض معركة الأقساط، ومواجهة الابتزاز الذي يمارسه أصحاب المدارس، من أجل فرض زيادة الأقساط، وبالتالي تكبير أرباحهم الكبيرة أصلاً. وضعت الهيئة أهدافاً آنية ومستقبلية، ففي المرحلة الأولى طالبت بمنع أي زيادة على الأقساط المدرسية، وخصوصاً المتعلقة بسلسلة الرتب والرواتب، تشكيل مجالس التحكيم التربوية في جميع المناطق اللبنانية، تفعيل القوانين المعنية بعلاقة المدارس مع أولياء الأمور والمتعلقة بالحقوق المالية والمراقبة والشفافية، المطالبة العاجلة بالتدقيق المالي لميزانيات المدارس، التضامن مع قضايا الأولاد الذين تتخذ بحقهم إجراءات كالطرد بسبب اعتراضات أهاليهم على الزيادات، إلزام المدارس إيداع وزارة التربية ميزانيات سنوية مدققة.
ومن الأهداف المستقبلية لهيئة التنسيق الوقوف في وجه سياسة الزيادت الممنهجة على الأقساط المدرسية من دون مبررات واضحة، سن تشريعات جديدة تهدف إلى جعل الحسابات المدرسية أكثر شفافية وخاضعة لمراقبة أكثر فعالية، تحديد سقوف واضحة للزيادات على الأقساط وربطها بمعيار موضوعي كعامل التضخم أو عمل غلاء المعيشة الذي تحدده وزارة الاقتصاد سنوياً. وقالت الهيئة إنها تسعى إلى إنشاء شبكة تواصل بين أهالي التلاميذ وأولياء أمورهم في المدارس الخاصة في لبنان، وتعزيز التوعية بشأن الدور الذي يمكن أن تتخذه لجان الأهل وأهميتها وشراكتها مع المدرسة.