صباح الخير أيّها العالم. أنت تعرفني جيّداً بلا شك، لكنني سأقدّم لك نفسي عملاً بأصول «الإتيكيت» كي لا أخدش «بريستيجك». أنا لاجئ سوري. أنا كُثرٌ تقمّصوا لساناً واحداً. يقول البعض إنني ستّة ملايين، ويؤكّد سواهم أنني أزيد عن ذلك، أو أنقص قليلاً. لكنني في الواقع أكثر بكثير. لا قصص جديدة أرويها لك عن نفسي، فأنت تزعم أنك تعرفها جميعاً. كنتَ تتفرّجُ عليّ حينَ هربتُ مرّة خوفَ الغد، وثانية من طائرة تراني حاضناً للإرهاب، وثالثةً من قذيفة تجدُني مجرماً، ورابعةً من «سيف الشريعة».. خامسة من حصار اقتصادي.. تاسعة وعاشرة ومليون.
لن أبخسك حقّك، فأنت لم تتخلّ عني. أتذكّرك تماماً وأنت تصوّرني بينما أغرقُ في رحلة البلم وأموت. أتذكّرك وأنت «تُمنتج» حكايتي بأناقة، قبل أن توزّعني على القنوات. أتذكّرك تضيقُ بي في بقعةٍ وتطردني من ثانية وتحتجزني في ثالثة. أنا لا أنكر أفضالك: وأنت تتسوّل عليّ بمنتهى «النشامة»، وأنتَ تعرضني للمقايضة في بازار «العالم الحرّ»، وأنتَ تشيرُ إلي بسبّابتك المشمئزّة. أعرفُ أنك لم تكن تبتكر لي كلّ ذلك، بل تُكرّر ما تدرّبت عليه جيّدا مع أصدقائي: الفلسطيني والأفغاني والعراقي والصومالي. إلى آخر القائمة التي تحفظُها أفضل مني. زرتَني في مخيّمي مرّات عدة: في هيئة فنّان، ولَبوس سياسي، وزيّ شيخ، ودور محسنٍ كريم. تناديت لـ«نصرتي» و«إغاثة لهفتي» و«تفريج كُربتي» والمتاجرة بـ«قضيّتي» التي تحوّلت بفضل جهودك سلعةً رائجة. حفظتُك جيّداً أيها العالم، لكنّك، والحقّ يُقال، ما زلتَ قادراً على إبهاري وأنتَ تخترع من أجلي وسائل وأساليب. حوّلتني ألعاباً افتراضيّة، وتطبيقاتٍ، وهاشتاغات. وها أنتَ أخيراً تصنعُ منّي «معلماً سياحيّاً». لكَ أن تتصوّر حجم سعادتي وأنت ترسل ثلّة من مهرّجيك ليعلنوا عن «رحلة إنسانيّة مع اللاجئين في تركيّا». حين قرأت «الإعلان التحفيزي» أدهشتني براعةُ المُعلنين «هل تودّ تجربة حياة اللجوء؟ كن مع اللاجئين ومجموعة من الشباب العرب المؤثرين». أسعدني أنّ تكلفة الرحلة يسيرة، ألف دولار فقط؟ إنّه «ثمن بخس» أيها العالم. بألف دولار تمكّن للراغبين تجربة حياة اللاجئين، يا بلاش! لا تضيّعوا الفرصة، صدقوني لقد تكلّفت أكثر من هذا بكثير. للأمانة، تحمّستُ كثيراً للمشاركة في الرحلة، خاصة بعد أن شاهدتُ عيّنة من «النجوم» المشاركين، تحمّست وكدت أملاً «طلب مشاركة» قبل أن أنتبهَ إلى أنّني أنا الإعلان!
أيها العالم، «هل تودّ تجربة حياة اللاجئين؟»، لا أنصحكَ بذلك ولا أتمناه لك. أتفّهم نهمك لالتقاط «سيلفي» وخيمتي في الخلفيّة. أتفهّم حاجتكَ إلى رسم ابتسامة عريضة على وجهك وأنت «تتعاطف» معي، ولن أحرمَك تلك الابتسامة. ابتسم أيّها العالم، هذه ابتسامة صغيرة، أرجوكَ ابذل جهداً إضافيّاً من أجلي، «كبّر» ابتسامتك أكثر.. أكثر. ابتسم بأناقة أيها العالم كي أبصقَ عليك.