تحاول الإدارة الأميركية إثبات نفسها على أكثر من جبهة، في الوقت الذي تواجه فيه الفشل على نحو متتالٍ على مختلف المستويات السياسية الداخلية والخارجية. وفي الوقت الذي ينوي فيه الرئيس دونالد ترامب تعزيز الضغوط على بكين عبر التصدي لملف الملكية الفكرية، توجّه نائبه مايكل بنس إلى أميركا اللاتينية حيث يقوم بجولة تكتسب أهمية كبيرة لأنها تأتي على وقع تهديدات ترامب «بخيار عسكري» ممكن في فنزويلا.
وبينما تشهد العلاقات مع الصين توتراً محوره أزمة كوريا الشمالية، أفاد مسؤولون في واشنطن بأن ترامب سيطلب في مذكرة من ممثل التجارة الأميركية روبرت لايتيزر أن يبحث إمكان فتح تحقيق في قضية فرض السلطات الصينية على الشركات الأميركية نقل الملكية الفكرية. وتهدف الولايات المتحدة خصوصاً إلى حماية «المشاريع المشتركة» مع كيانات صينية (أي الشركات التي تتقاسم المخاطر)، وهو شرط تفرضه الصين على الشركات الأجنبية التي تريد بيع منتجاتها في الصين. ويسمح هذا الأمر للشركاء الصينيين بالاستفادة من خبرة الأميركيين التكنولوجية.
وتفرض السلطات الصينية على شركة «آبل» مثلاً، التي تحقّق مبيعات بقيمة 30 مليار دولار سنوياً في الصين، تدابير عدّة تعوق أنشطتها في البلاد. فقد أُجبرت في تموز على إزالة برامج من متجرها الصيني للتطبيقات، تسمح بتخطي القيود التي ترفضها السلطات على مستخدمي الإنترنت.

رفضت البرازيل وتشيلي وكولومبيا والمكسيك والبيرو التهديد العسكري لفنزويلا

واتهم مسؤولو الإدارة الأميركية، أول من أمس، «الصين بتمويل وتسهيل شراء الشركات الأميركية التي تمتلك تقنيات مبتكرة». وقالوا إنه «إذا استمرّ فرض نقل وسرقة أفضل التقنيات والملكية الفكرية الأميركية إلى الخارج، فسيكون من الصعب على الولايات المتحدة المحافظة على هيمنتها على الاقتصاد الدولي وعلى دورها الرائد في مجال التقنيات المبتكرة». لكن الآلية التي أطلقها ترامب، أمس، لن تترجم فوراً عبر عقوبات، فهو سيستخدم المادة 302 ب من قانون التجارة التي تنصّ على تكليف ممثل التجارة الأميركية درس احتمال فتح تحقيق، حتى لو لم يكن هناك شكاوى محدّدة من الشركات الأميركية في هذا الخصوص. وأشار المسؤولون إلى أن هذا التقويم قد يستغرق عاماً كاملاً، قبل التوصل إلى فرض عقوبات أو تدابير انتقامية عبر المنظمة التجارة العالمية أو من دونها.
في غضون ذلك، بدأ نائب الرئيس مايك بنس، أمس، جولة تستمر أسبوعاً في أميركا اللاتينية، و«تهدف إلى تنسيق ردّ دبلوماسي إقليمي على الأزمة السياسية في كراكاس». وقد بدأت الجولة في كولومبيا، حليفة الولايات المتحدة التي تتلقى ملايين الدولارات سنوياً من واشنطن، ولا تكنّ الود للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. والمحطات الأخرى هي الأرجنتين وتشيلي وبنما.
وقال مسؤول أميركي للصحافيين: «كنّا حازمين في الأقوال والأفعال ضد نظام مادورو، ومن المهم أن نضم آخرين في المنطقة»، مشيراً إلى أن «الدول الأربع إلى جانبنا، ولكن نريد مواصلة الضغط على نظام مادورو». وأضاف: «سنتحدث عن خيارات اقتصادية وخيارات دبلوماسية، وكل الأدوات المتوافرة»، موضحاً أن «الأمر لا يتعلق فقط بقيام الولايات المتحدة بالضغط على مادورو، بل أن يتعرض للضغط من كافة الأطراف في المنطقة». لكن في أعقاب إعلان ترامب، الجمعة، أن «لدينا خيارات كثيرة لفنزويلا، بما في ذلك خيار عسكري ممكن إذا لزم الأمر»، اجتمعت دول في أميركا اللاتينية ــ منها تلك التي وبّخت كراكاس على «انتهاك الحكم الديموقراطي» ــ في رفضها لاستخدام القوة الأميركية. ووجهت كل من البرازيل وتشيلي وكولومبيا والمكسيك والبيرو رسائل ترفض مثل تلك الخطوة.
وبالنسبة إلى عدد كبير من دول أميركا اللاتينية، عادت ذكريات مريرة عن المغامرات العسكرية الأميركية السابقة في المنطقة إلى الأذهان، بما في ذلك غزو بنما عام 1989 لإطاحة رئيسها مانويل نورييغا، إضافة إلى دور وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في عمليات دامية مع حركات تمرّد وضدها، وإيصال واشنطن عسكريين طغاة إلى الحكم. ويأتي ذلك فيما أعرب الحلفاء اليساريون، بوليفيا وكوبا والإكوادور ونيكاراغوا، دعمهم لفنزويلا في مواجهة عدوّها «الإمبريالي».
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على مادورو، في خطوة نادرة تستهدف رئيس دولة و24 من مسؤوليه. وجاء فرض هذه العقوبات على خلفية إنشاء مادورو الجمعية التأسيسية التي تضم موالين له تتجاوز صلاحياتها المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه المعارضة.
(رويترز، أ ف ب)