"إنّ قوانين التسوية تضرب وتلغي مفاعيل كل قوانين البناء ومراسيم السلامة العامة التي تُحافظ على البيئة والطبيعة والنسيج العمراني الضامن لبيئة اجتماعية صحية ونظيفة".بهذه الكلمات، خرج نقيب المهندسين في بيروت جاد تابت في تموز الماضي ليُعلن في مؤتمر صحافي رفض النقابة الحاسم لقانون تسوية مخالفات البناء الذي جرى تضمنيه في مشروع قانون موازنة عام 2017، عبر المادة 64 منه.

ويقضي القانون بتسوية مخالفات البناء الحاصلة في الفترة الممتدة بين 13/9/1971 و31/12/2016.
هذا القانون هو نسخة عن قانون التسوية الذي أُعدّ عام 1994، أي منذ 23 عاماً. حينها، تمحورت الأسباب الموجبة للقانون حول تبرير المخالفات كونها حصلت خلال الحرب الأهلية وغياب السلطة اللبنانية فيما تنتفي الحاجة إلى هذه الأسباب في الوقت الراهن. وبالتالي، فإن ما ينص عليه القانون بنسخته الحالية لا يأخذ بعين الاعتبار قانون البناء الذي صدر عام 2004 ولا مرسوم السلامة العامة وملحقاته. بحسب نقابة المهندسين، هذا القانون يُهدد السلامة العامة ويُفرط بالطرق العامة، ويُبقي على الواقع المديني والعمراني السيئ.

السلامة العامة مقابل أموال للخزينة

في حديث إلى "الأخبار"، يقول تابت إن قانون التسوية يتعارض مع "أبسط قواعد قانون البناء، لأن قانون عام 1994 وُضع لتغطية مخالفات شُيّدت خلال الحرب ولم يكن قانون البناء قد صدر أصلاً"، لافتاً إلى غياب المبررات التي تستدعي استنساخ هذا القانون.
برأي تابت، فإن قانون التسوية لا يطيح بكل المخططات التوجيهية الشاملة للمناطق فحسب، بل هو يضع السلامة العامة مُقابل تحصيل أموال للخزينة. "لا يجوز أن نضع سلامة الناس مقابل الحصول على أموال للدولة. نحن مع تسوية مخالفات بسيطة ولكن هناك تسويات تطال أموراً أساسية ينص عليها القانون".

تابت: لا يجوز أن نضع سلامة الناس مقابل الحصول على أموال للدولة

يبدأ تابت بـ "العنوان العريض" أو ما يُسميه بـ "الخطورة الأبرز" التي يُرسيها القانون وهي تلك المتعلقة بتجاهل مبدأ السلامة العامة.
يرد في البند الثالث في المادة الثامنة من القانون أنه في حال اختار المخالف دفع الرسوم والغرامات وإجراء التسوية عليه أن يُرفق جملة من المُستندات تتعلّق ببيان يوصف المخالفة وموقعها بالتفصيل يكون موقّعاً من مهندس مسجل في إحدى نقابتي بيروت أو طرابلس ومصدقّاً عليه من النقابة المعنيّة "وفقاً لنموذج خاص تضعه المديرية العامة للتنظيم المدني"، فضلاً عن تعهّد من المهندس بأن هذه المخالفة في حال تسويتها لن تُشكّل خطراً على سلامة البناء والسلامة العامة ويمكن للبناء وأساساته تحملها، إضافة إلى "أربع صور فوتوغرافية لواجهات البناء الأربعة ممهورة بتاريخ في صلب التصوير تبيّن فيها المخالفة وتوقع من المهندس المسجل في النقابة" (..).
ترى نقابة المهندسين في هذه المادة استخفافاً في آلية التحقق من مخاطر المبنى المخالف، متسائلة عن "مصير" مرسوم السلامة العلامة وتطبيقاته، في إشارة إلى أن التعهّد من المهندس لا يحلّ مكان تلك المعايير التي ينص عليها المرسوم. وتطرح النقابة تساؤلاً آخر في هذا الصدد حول "إمكانية الاكتفاء باعتماد صور فوتوغرافية لتبيان طبيعة المخالفة وحجم ضررها".
في الآونة الأخيرة، برزت ظاهرة المباني المهدّدة بالانهيار، حالات كثيرة من هذه المباني كان سببها البناء المخالف، وهو ما يُشير إليه تابت الذي يقول إن التهدّد الذي يطال الكثير من الأبنية "يتعلّق بالدرجة الأولى بالبناء المخالف"، مشيراً إلى أن غالبية الأبنية المهددة بالانهيار سببها البناء المخالف وزيادة طوابق على بناء قديم. ينطلق تابت من هذه النقطة ليُشير إلى أن هذا القانون لم يُراع مبدأ تجنّب الكوارث المرتقبة لافتاً إلى أن القانون "يُشجّع على تكرار المخالفات وزيادة مخاطر المخالفات".

التخلّي عن استرجاع المرائب الإلزامية للأبنية

يرد في البند الثاني من المادة الخامسة من القانون ما يلي: " يُعتبر مخالفة قابلة للتسوية كل تحوير حدث قبل 31/12/2016 في وجهة استعمال المرأب أو الملجأ أو إلغائهما في جميع الأبنية بما فيها تلك الحائزة على رخصة إسكان (..)". برأي نقابة المهندسين، فإن هذا النوع من المخالفات يجب أن لا يقبل أيّ تسويات، "إذ يجب إزالة المخالفة التي عطلت المرأب الإلزامي بالكامل من خلال الهدم أو إعادة الوضع لما كان عليه قبل التحوير إلى وجهة استعمال تجارية أو ما شابه". يختصر تابت الأمر بالقول: "هذه مخالفات لا يمكن أن يقبل بها مهندس صاحب خبرة وضمير. هذا غير مقبول ولا يمكن تسويته".
تلفت النقابة في هذا الصدد إلى أن قانون البناء (رقم 646) يؤكد إلزامية تأمين المرأب ويُعطي الحوافز لتأمين مرأب إضافي تخفيفاً لأزمة الاكتظاظ والسير القائمة في المدن والمجمعات السكنية الكبيرة. بهذا المعنى، يغدو تساهل الدولة وتخليها عن معالجة هذه المخالفات عاملاً أساسياً في الإبقاء على واقع التنظيم المدني المُشوه والاكتظاظ وأزمات السير وغيرها.

التفريط بالطرق العامة!

يُشير البند الثاني من المادة الثالثة من القانون إلى الأبنية وأجزاء الأبنية المُنشأة ضمن الحرم والبراحات العائدة للطرق والأملاك العامة المُنفّذة "من أي فئة كانت" وكذلك ضمن البراحات والتراجعات العائدة للتخطيطات المُصدّقة وغير المنفذة وضمن التراجع عن الأملاك العمومية. وينصّ على إمكانية تسوية هذه المخالفات "شرط أن تحتفظ الإدارة بحق استعمال القسم الواقع ضمن التراجع المفروض في أي وقت كان ودون أي تعويض، وعلى المالك أن يُخلي هذا القسم عند أول طلب من الإدارة ويجري تسجيل هذا الشرط في الصحيفة العقارية العائدة للعقار(..)". يختصر تابت رأيه بهذا البند بالقول إنه "يتعارض مع كل مبادئ التنظيم المدني". برأيه، هذه البنود، تُشرّع التفريط بالطرق العامة وبالملك العام، وهو ما سيُبقي حكماً على الخلل الموجود الذي أرسته الفوضى التي انتهجت على مر السنوات الماضية. ويُضيف: "الأملاك العامة هي ملك الشعب وهي موجودة لأسباب معينة إما للطرقات أو للمساحات الخضراء، يجب أن لا تكون سائبة. وكل بناء عليها هو تعدٍّ على السلامة العامة"، مُشيراً إلى أن حوادث السير المتكررة سببها المخالفات القائمة على الطرق العامة.
وعلى الرغم من أن القانون يتقاطع مع الدور الطبيعي لنقابة المهندسين في إعداد وصياغة التشريعات المطلوبة والهادفة لإيجاد الحلول المناسبة، إلا أن القانون لم يمر على نقابة المهندسين ولم تجر استشارتها ولم تُعط رأيها فيه.