الجزائر | تعيش السلطة في الجزائر تجاذبات سياسية حادة بين عدة أجنحة داخلها، ظهرت في شكل قبضة حديدية بين رئيس الوزراء (الوزير الأول) المعيّن منذ 3 أشهر فقط في منصبه، وبين فئة من رجال الأعمال المقربين من الرئاسة الذين لم يستسيغوا عدداً من قراراته. وسرعان ما تدخلت الرئاسة بنحو غير مباشر لتنتصر لرجال الأعمال بطريقة خلّفت حالة من الذهول لدى السياسيين والمتابعين للشأن العام في البلاد، لكونها المرة الأولى التي يجري فيها «تأديب» وزير أول بذلك الشكل العنيف وباستعمال قنوات غير رسمية.
وقد كانت نقطة الانطلاق في بداية الهجوم على تبون، خطابه أمام البرلمان الذي أعلن فيه الخطوط العريضة لبرنامج عمل حكومته، التي من بينها العمل كما قال على «فصل السلطة عن المال»، في اعتراف صريح منه بالنفوذ الذي بات يمثله لوبي المال وتغلغله في مؤسسات البلاد، وهو ما كانت المعارضة قد حذرت منه بشدة في السنوات الأخيرة، متهمة «أحزاب الأوليغارشيا» التي «تريد الاستيلاء على الدولة ونهب المال العام».
وبعدما ظن كثيرون أنّ ما ذكره عبد المجيد تبون، لم يكن سوى خطاب للاستهلاك وكسب ود المعارضة والشارع، أبان رئيس الوزراء عن نياته الفعلية عندما عمد إلى طرد علي حداد زعيم «منتدى رؤساء المؤسسات»، أقوى منظمات «الباترونا» وأكثرها نفوذاً، خلال حفل استقبال نُظِّم في إحدى المدارس العليا. فقد أوعز تبون إلى حراسه بأنه لا يريد أن يرى «هذا الشخص في القاعة».
لم يتجرع حداد وهو المقرب من شقيق الرئيس ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة، ما جرى له، فأصدر بياناً أيدته فيه أكبر نقابات البلاد (في تحالف غريب بين رجال الأعمال والنقابات)، ندد فيه بالإهانة التي تعرض لها، فيما نَقَل من دخل هذا الاجتماع أنّ «حداد وعد برد الاعتبار لنفسه من تبون».
لم تمر سوى أيام، حتى ظهر علي حداد في جنازة رئيس الحكومة السابق رضا مالك، وهو يقف جنباً إلى جنب، مع السعيد بوتفليقة، ومعهما عبد المجيد سيدي السعيد، الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين. ظهر الثلاثة في مشهد بدا محضراً له بعناية، وهم يتبادلون الأحاديث والابتسامات أمام عدسات الكاميرات التي كانت تطوقهم من كل جانب، في جو كسر تماماً خشوع المناسبة، وفهمت الرسالة حينها بأن ما فعله تبون مع علي حداد، لم يكن بإيعاز من الرئاسة التي لا تزال تحمي رجل الأعمال وتقف إلى جانبه، وهو ما عزز من موقف علي حداد وأضعف تماماً الوزير الأول الذي بدا معزولاً.
ولم يكتف محيط الرئاسة، بإحراج الوزير الأول في الجنازة فحسب، ولكن سُرِّبَت تعليمات منسوبة إلى الرئيس بوتفليقة، تنتقد بشدة خيارات الوزير الأول، وتصل إلى حد اتهامه بـ«التحرش برجال الأعمال» و«إعطاء صورة غير لائقة عن البلاد في الخارج»، وتطالبه «فوراً» بتصحيح عمل الحكومة وإشاعة جو من الهدوء في قطاع الأعمال بالبلاد.
وكان تبون قد أصدر عدة قرارات تلغي ما كان سلفه عبد المالك سلال، قد أقره قبل رحيله، على غرار توزيع مساحات أراضٍ شاسعة على رجال الأعمال، وأيضاً أغلق الوزير الأول الجديد على نطاق واسع أبواب الاستيراد في العديد من المواد والسلع، وأقرّ نظام الحصص في المواد وساعة الاستهلاك، وهو ما أثار سخط المستوردين الذين بنوا ثروات طائلة في السنوات الأخيرة جراء سياسة الانفتاح وباتوا يرفضون التنازل عن امتيازاتهم.

ظن كثير أنّ ما ذكره عبد المجيد تبون، لم يكن سوى خطاب للاستهلاك

وعلى الرغم من أن تبون يبدو وحيداً في مواجهة من يملكون السلطة والمال، إلا أن ظهوره في مظهر الحريص على المال العام والمحارب لنفوذ رجال الأعمال، جلب له شعبية واسعة لدى الرأي العام، وانبرى كثيرون في مواقع التواصل الاجتماعي، يدافعون عنه ضد ما يعتبرونه المعركة ضد الفساد. ونقلت أوساط مقربة من الوزير الأول الذي يقضي عطلته في فرنسا، لـ«الأخبار» أنّ تبون «لا يفكر أبداً في الاستقالة على خلفية ما يجري، وأنه سيؤدي إلى الأخير المهمات التي كلفه بها رئيس الجمهورية».
وتلقى تبون كثيراً من الدعم من أوساط المعارضة، إذ أعلن رئيس «حزب جديد» جيلالي سفيان، المعروف بمعارضته الشديدة للرئيس بوتفليقة دعمه التام لتبون. وقال عبد الرزاق مقري الرئيس السابق لـ«حركة مجتمع السلم»، إن تبون «أصبح يُحارَب لأنه اكتسب شعبية تؤهله للمنافسة في رئاسيات 2019»، وهو «الخط الأحمر»، وفق المتابعين.
وفي خضم ما يجري، أعيد طرح السؤال الجديد ــ القديم عن الرئيس بوتفليقة ومدى علمه بما يجري من حوله، خاصة أن الطريقة التي جرى التعامل بها مع تبون، لا تحمل بصمة الرئيس، وفق كثيرين. وما زاد في الشكوك أنّ التعليمات المنسوبة إلى بوتفليقة ضد وزيره الأول لم تصدر في وكالة الأنباء الرسمية، بل أذاعتها قناة معروفة بقربها من محيط الرئيس، وهو الأمر الذي رأت فيه أوساط معارضة دليلاً آخر على «شغور منصب الرئاسة».