خلال الأيام الماضية، دأب عدد من مورّدي السلع الغذائية والاستهلاكية على تقصّي معلومات عن أوضاع شركة TSC. تبادل المعلومات مع موردين آخرين أظهر أن إدارة الشركة قدّمت عرضاً لبعضهم يقضي بتسوية الديون المستحقة لهم والمتراكمة منذ أشهر على قاعدة تسديد 50% من قيمة الفواتير فوراً، في مقابل إلغاء الـ 50% الباقية وإغلاق حساباتها بشكل نهائي.
هذا العرض أربك الموردين، ولا سيما الذين لديهم رصيد كبير من الديون في ذمة TSC، فالعرض يعني أن الشركة ستقوم بخطوة مصيرية، وإلا لماذا ستطلب إغلاق الحسابات بشكل نهائي مع عدد كبير من الموردين؟
فور تلقي مورّدين هذا العرض، بدأت جمعيات الصناعيين والمستوردين والتجار الاستقصاء عن أهداف العرض وخلفياته، بما يسهّل على الموردين الاطلاع على جدواه واتّخاذ قرار بشأنه. المعلومات المتقاطعة بين الموردين لم تؤدّ إلى حسم المسألة، بل زادتها شكوكاً. فقد تبيّن أن إدارة TSC أجرت مفاوضات، في مراحل زمنية متقاربة، مع ثلاث شركات تملك وتدير سوبر ماركت في لبنان، وذلك بهدف بيع موجودات وأصول TSC. هذه الشركات هي: تعاونيات لبنان، فهد سوبر ماركت ويحيى البساط. بحسب المعلومات، لم تفضِ هذه المفاوضات إلى نتيجة، وتعددت الروايات حول أسباب فشل إبرام صفقة من هذا النوع، بعدما كانت فروع TSC محط أنظار المنافسين في مراحل سابقة. فإلى جانب الحديث عن ديون الشركة الكبيرة وما ترتبه من أعباء على المستثمر الجديد، برزت رواية تعزو فشل الاتفاق بين TSC وباقي المهتمين بالشراء إلى انعدام جدوى الاستحواذ على موجودات TSC، بالمقارنة مع خيار استعمال كلفة الاستحواذ لتمويل فتح فروع جديدة من الصفر!
هذا الوضع أربك المورّدين الساعين إلى تحصيل ديونهم. بعضهم اعتبر أن مصير الديون صار «غامضاً» بسبب عدم إفصاح إدارة TSC عن نياتها الحقيقية لجهة بيع الموجودات أو رغبتها في الإقفال النهائي أو حتى إعلان الإفلاس. وتعزّزت شكوكهم بمؤشرات ظاهرة للعيان؛ الرفوف تخلو شيئاً فشيئاً من السلع المعروضة، حركة المستهلكين تتباطأ، تباطؤ في وتيرة سداد فواتير المورّدين وتراكم الديون. غياب كامل لعمليات التطوير... أثار هذا المشهد نقاشاً واسعاً بين المورّدين في استعادة لمشهد مماثل قبل ثلاث سنوات. يومها طلبت مجموعة من كبار المورّدين الاجتماع بنقابة أصحاب السوبر ماركت لبحث مسألة تجاوز TSC مواعيد تسديد الفواتير.

عرضت TSC على الموردين
شطب نصف ديونهم
لتسديد النصف الباقي

وفي نهاية الاجتماع، استحصل الموردون على تعهّد من ممثلي الشركة الأم في الكويت بتحويل سيولة كافية لبدء سداد الديون. وبالفعل، قامت الشركة الأم «مركز سلطان للتجارة والمقاولات» بتحويل 35 مليون دولار، على فترات مختلفة، إلى الشركة اللبنانية «مركز سلطان هولدنغ» التي تملك «مركز سلطان للأسواق المركزية والبيع بالتجزئة والجملة» (هذه الأخيرة تملك مباشرة ثمانية فروع سوبر ماركت تحت العلامة التجارية TSC). المشكلة المتفاقمة اليوم، أن الشركة الأمّ اتخذت قراراً بالامتناع عن تمويل أي خسائر تتعلق بالشركة التابعة في لبنان، وسبب الامتناع لا يتعلق بلبنان فقط، بل بالخسائر التي ضربت مجموعة من الشركات التابعة في مختلف أنحاء العالم. خسائر الشركة الأم بدأت تتراكم. ففي نهاية 2016، بلغت قيمة الالتزامات المصرفية عليها 128.4 مليون دينار كويتي، أي ما يعادل 443.6 مليون دولار، وعليها حسابات دائنة بقيمة 94.6 مليون دينار كويتي، أي 326.8 مليون دولار، ولم تكن توزّع أنصبة أرباح. فيما تعزى أسباب الخسارة إلى مشاكل كبيرة في الاستثمارات الخارجية، سواء في الولايات المتحدة حيث تقام عليها دعاوى، أو في إيطاليا والبرازيل... وفوق كل ذلك، تعرضت الشركة لضربة أقوى في آذار 2017 عندما توفي أحد أبرز مؤسسيها ورئيس مجلس إدارتها جميل سلطان العيسى.
ورغم أن الأمور بدت طبيعية بعد وفاة العيسى وانتخاب عبد العزيز سلطان عيسى حسين خلفاً له، وتعهّد هذا الأخير بتطبيق خطّة لإعادة هيكلة الشركة، إلا أن الوقائع تشير إلى أن الأزمة بدأت تكبر مع نشوب خلافات بين الورثة. فلم تمض بضعة أسابيع على تسلّم عبد العزيز منصبه، حتى استقال في 28 أيار 2017 ليحلّ محلّه طارق عبد العزيز سلطان عيسى رئيساً لمجلس الإدارة، بالإضافة إلى تعديلات في مجلس الإدارة وتوصية المجلس بالالتزام بخطّة إعادة هيكلة.
لم تأتِ رغبة الشركة الكويتية في التخلّي عن الشركة التابعة في لبنان في سياق الخلافات التي أدّت إلى تغيير مجلس الإدارة، لكن وقف تمويل الخسائر المتراكمة كان أمراً جديداً. فالاستثمار «الخاسر» في لبنان بدأ في 2008 عندما قررت الشركة الكويتية أن تشتري من «أدميك» مساحات مستأجرة وبضائع مخزنة بقيمة 118 مليون دولار! لكن في ظل الأزمة التي تضرب الشركة الأم، لم ترغب في تحمل المزيد من الخسائر، وصارت تسعى الى صفقة بيع للخروج من السوق اللبنانية.
بحسب مصادر المهتمين بالشراء، تبيّن أن الإيرادات لا تكفي لتغطية فواتير المورّدين، وبالتالي فإن الاستحواذ عليها يرتّب على الشاري كلفة كبيرة غير واضحة المعالم. والشاري، أياً يكن، وهو بالطبع من أصحاب السوبر ماركت، يفكّر في توسيع عمله من خلال هذه العملية التي يجب أن تتضمن إجابات محدّدة عن الأسئلة الآتية: هل إيجارات الشركة باهظة أم معتدلة؟ هل كلفة الموظفين مرتفعة؟ هل هناك تسرّب ما في كمية السلع المخزّنة والتلف المسجّل على لوائحها؟ هل يكون الاستحواذ مجدياً، أم أن جدواه تذوب في كل هذه الأكلاف أو في بعضها؟ هل يكون الاستثمار في افتتاح وتجهيز فرع جديد أجدى من الاستحواذ؟
في الواقع، إن الشاري يبحث عن مواقع إضافية لسلسلة المتاجر التي يملكها، أي أنه يريد موقعاً جديداً يكون جاذباً للمستهلك، ما يعني أن حجم المبيعات هو ذات دلالة ومؤشر أساسي لدراسة إمكانية الربحية، ربطاً مع عدد الزبائن. وبحسب المعطيات المتداولة، تبيّن أن حجم مبيعات TSC يقلّ عن 40 مليون دولار في السنة، وأن لا أرباح مسجّلة منذ سنوات عديدة، وأن هذه الشركة، مثلها مثل معظم السوبر ماركت في لبنان حاولت التوسّع على حساب المورّدين وتخفيض قوة العمل والأجور. وبالتالي، فإن جدوى الاستحواذ غير واضحة في ضوء صعوبة تحويلها من الخسارة إلى الربح، وهذا يتطلب استثمارات إضافية تجعل من السعر المطلوب باهظاً.