بانتظار مناقشة مشروع «قانون الأحكام الضريبية المتعلقة بالأنشطة البترولية»، أصبحت أنظار اللبنانيين تتركز بالدرجة الأولى على المجلس النيابي لمعرفة مصير المحاولات المبذولة لتوقيع عقود استكشاف وإنتاج، وبأسرع وقت ممكن، مع شركات أجنبية. ويعود اهتمام المواطنين الخاص بهذا الموضوع إلى سببين رئيسيين.
أولهما هو أن القانون المذكور، الذي يدور الحديث عنه منذ ما لا يقل عن أربع سنوات، هو آخر حلقة تشريعية لازمة لاستكمال التدابير المطلوبة لدورة التراخيص الأولى. أما السبب الثاني، وربما الأهم، هو أن مناقشة مشروع القانون الضريبي ستكون أول فرصة تعطى لممثلي الشعب اللبناني لإبداء رأيهم حول مسيرة البترول والغاز، وذلك منذ صدور «قانون الموارد البترولية في المياه البحرية» رقم 2010/132، الذي كان ولا يزال حتى الآن النص التشريعي الوحيد الذي وضعته السلطة التشريعية المختصة حول هذا القطاع.

الشياطين تكمن في المراسيم

خلال السنوات العشر الماضية، تناست وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول كلياً وجود سلطة تشريعية في البلاد. وبادرت، بالتعاون مع مستشارين أجانب مجهولي الهوية، إلى صياغة عشرات «المراسيم التطبيقية»، بما فيها المرسومان الشهيران اللذان امتنعت حكومة الرئيس تمام سلام عن إقرارهما طوال مدة قاربت الثلاث سنوات، وذلك ليس طبعاً نتيجة للإهمال أو لأن الحكومة السابقة كانت أقل «وطنية» من غيرها، بل بسبب تباطؤ وممانعة هيئة البترول في قبول التعديلات التي طالبت بها اللجنة الوزارية المختصة آنذاك، لتصحيح الانحرافات وسدّ بعض الثغرات في مشروعي المرسومين العالقين.
وقد استمر هذا الوضع إلى أن تمّت، حسب وسائل الإعلام، « تفاهمات» أدت إلى تأليف حكومة جديدة سارعت كما هو معروف إلى إقرار المرسومين المذكورين، وذلك خلال أول جلسة عقدتها في 4 كانون الثاني 2017. هذان المرسومان يتعلقان بدفتر الشروط وتقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى عشر بلوكات، من جهة، وبنموذج اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج المقترح عقدها مع الشركات الأجنبية
(Exploration and Production Agreement - EPA)، من جهة ثانية.

لا يرى البعض حتى الآن مبرراً لوجود شركة نفط وطنية


اللافت أن مشاريع المراسيم كافة التي وضعت، والمفترض فيها أن تكون مجرّد مراسيم «تطبيقية» للقانون 2010/132، خاصة نموذج الاتفاقيات EPA، تتضمن كل التفاصيل القانونية، والمالية، والاقتصادية، والفنية، والإدارية، والبيئية، الخ... الخاصة بالأنشطة البترولية. وذلك بحجة أن القانون البترولي قد اقتصر على المبادئ ولم يوضح «التفاصيل». وبما أن الشيطان كما يقال يختبئ في التفاصيل، فالواقع هو أن كل شياطين التشريع البترولي اللبناني قد أصبحت تختبئ في ثنايا المراسيم التي تولى مسؤوليتها بعض موظفي وزارة الطاقة ومستشاروهم، دون العودة إلى السلطة التشريعية المختصة.
إلّا أن الأهم والأخطر من ذلك، أن المرسوم الخاص بنموذج الاتفاقيات EPA قد ضرب عرض الحائط ببعض المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون البترولي 2010/132، وفي طليعتها المادة 4 التي نصت على: «تعود ملكية الموارد البترولية والحق بإدارتها حصراً للدولة»، أو ما تنص عليه المادة 6 تحت عنوان «مشاركة الدولة» على أن: «تحتفظ الدولة بحق القيام أو المشاركة في الأنشطة البترولية». وهذه كلها مبادئ أساسية يقوم عليها نظام الاستثمار الأكثر رواجاً في العالم والمعروف بنظام تقاسم الإنتاج ( Production Sharing Agreement - PSA). وقد كان من الطبيعي أن يتبنى المشرع اللبناني نظام الاستثمار هذا في القانون 2010/132، لأنه يتماشى تماماً مع وضع لبنان، شأنه في ذلك شأن كل الدول النامية التي تودّ التعاون مع شركات عالمية تملك الخبرات والرساميل اللازمة لاستثمار ثرواتها، ولكن في إطار علاقة تعاقدية تضمن لها صيانة سيادتها الوطنية، وحقوق ملكية البترول/الغاز المكتشف، والمشاركة الفعلية في استثمار هذه الثروات، عبر شركة نفط وطنية، وبشكل يؤمن تدريب الكوادر الوطنية والرقابة الفعلية، من الداخل، على الأنشطة البترولية، علاوة على عمليات وحسابات الشركات العاملة.

التنكر للقانون البترولي

إلا أن الأمور انقلبت رأساً على عقب منذ عام 2012، عندما جاءت المراسيم المفترض أن تكون «تطبيقية»، خاصة مرسوم EPA رقم 43، لتهدم ما بناه القانون 2010/132. وقد تكرس هذا التنكر لمبادئ القانون الأساسية، عبر المادة 5 من مرسوم EPA التي تنص حرفياً على أنه «لن يكون للدولة مشاركة في دورة التراخيص الأولى»!... وهذا يعني تلقائياً استحالة العمل بنظام تقاسم الإنتاج الذي نص عليه القانون، واستحالة ممارسة الدولة لمسؤولياتها وصلاحياتها في هذا القطاع الحيوي. كما يعني عملياً الاستعاضة عن هذا النظام بنظام آخر يختلف عنه كلياً، ألا وهو ما سمي نظام تقاسم الأرباح، الذي يشكل في الواقع عودة مقنّعة لنظام الامتيازات القديمة التي تم تأميمها في المكسيك عام 1938، ثم في إيران عام 1951، وبعدها في كل الدول العربية وغيرها من الدول النامية في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. كما يعني انتقال حقوق ملكية كل ما يكتشف من البترول والغاز من الدولة إلى الشركات العاملة، وحلول هذه الشركات محل شركة وطنية لا بدّ منها.
هكذا، قرر بعض موظفي وزارة الطاقة خطف صلاحيات المجلس النيابي التشريعية، وطردوا، بكل بساطة، الدولة برمتها من صناعة البترول والغاز وجرّدوها من دورها المحوري في هذا القطاع، مما فتح الطريق لعشرات الشركات الخاصة لتحل محلها، بما فيها شركات صورية لبنانية تم تأسيسها على جناح السرعة ببضعة آلاف من الدولارات، من نوع «ابيكس غاز» في هونغ كونغ و»بتروليب» في بيروت، وأخرى شركات مشبوهة وملاحقة قضائياً في عدد من البلدان المجاورة، بالإضافة إلى شركات بعضها كبرى، وأخرى ذات الحجم المتوسط أو الصغير تم تأهيلها كشركات «غير مشغلة»، أي غير قادرة على القيام بما هو مطلوب، وهو الحفر وإنتاج البترول والغاز من مكامن تقع مئات الأمتار تحت قعر البحر، وتحت مياه قد يتجاوز عمقها الألفي متر.
وفي حين تم إقصاء الدولة واستمرت الممانعة في إنشاء شركة نفط وطنية، تم «تأهيل» أكثر من 50 شركة يسمح لها بالحصول على حقوق استكشاف وإنتاج. وذلك، كما تنص المادة 6 من دفتر الشروط، «في إطار «شراكة تجارية غير مندمجة» مؤلفة من «شركة عاملة» (Operator) بحصة لا تقلّ عن 35%، وشركتين «غير عاملتين» (Non-operators) على الأقل تكون حصة كل منهما 10% كحد أدنى. ما يعني بتعبير آخر أنه يحق لأيّ شركة في العالم تنال رضى هيئة البترول الدخول على خط استكشاف وإنتاج البترول والغاز في لبنان، حتى وإن لم يكن لها أي خبرة في ذلك، باستثناء شركة نفط وطنية لا يرى البعض حتى الآن مبرراً لوجودها!

الانحرافات والتجاوزات الفريدة

هذا كله على الرغم من أن القانون البترولي لا يستدعي كل هذه البهلونيات، نظراً إلى أن كل ما يتطلبه نظام تقاسم الإنتاج الذي نصّ عليه هو التعاقد مع واحدة أو أكثر من حوالى 12 شركة عالمية كبرى لديها الخبرة والقدرات الفنية والمالية اللازمة للقيام بدور»المشغل» القادر فعلاً على تولي مسؤوليات الحفر والإنتاج في المياه العميقة. وذلك بالمشاركة مع شركة نفط وطنية تمثل الدولة والمواطنين، في إطار شروط أصبح لها ضوابط متعارف عليها عالمياً. أما عشرات الشركات «غير المشغلة» الأخرى التي أنعمت عليها هيئة البترول بـ»التأهيل المسبق»، بما فيها طبعاً الشركات الصورية أو المشبوهة، فالواقع إنه لا حاجة إليها على الإطلاق، إلا اللهم، وفي أحسن الحالات، للقيام ببعض المهمات الثانوية، أو خاصة لتكون غطاء لجهات أخرى تكتسب عبرها حقوق الملكية لقسم من البترول/الغاز المكتشف يساوي حصتها في «الشراكة التجارية غير مندمجة». هذا بالإضافة إلى المنافع الأخرى التي يمكن أن تجنيها من تربعها سعيدة في لجان إدارة الشركات العاملة، عن طريق العمولات وغيرها.. وهذا وضع لا مثيل له في أي من بلدان العالم الأكثر فساداً!
هذه الانحرافات والتجاوزات الفريدة من نوعها قد تمّت تحت غطاء السرية الكاملة، خاصة في ما يتعلق بنموذج EPA ودفتر شروط منح حقوق الاستكشاف والإنتاج. وطالما أن أهل مكة أدرى بشعابها، فإن أفضل تعبير عن هذا الواقع المذهل قد جاء على لسان النائب محمد قباني، رئيس لجنة الأشغال والنقل والطاقة والمياه، عندما قال تحت قبة البرلمان في آب 2016: «إن أسوأ ما في مسيرة النفط والغاز الحالية هو الغموض الذي يحيط بالمعلومات ومحاولة إحاطتها في إطار من السرية، حتى على المجلس النيابي. وهذا أمر معيب يجب أن نخجل منه وننقلب عليه. كما أنه يلقي ظلالاً من الشك على هذا الملف. لن نقبل باستمرار هذا الغموض وهذه السرية المريبة وسنقوم بكل ما يلزم للوصول إلى الشفافية في قطاع الموارد البترولية»، قبل أن يضيف: «إننا وحتى الآن لم نحصل على معلومات حول المرسومين الموجودين لدى مجلس الوزراء، وهذا أمر مستغرب ومرفوض من مجلس النواب، وهو سلطة الرقابة العليا في البلاد».

النظام الضريبي الأسوأ في العالم

أما اليوم، وبعد أن جاءت مناقشة مشروع قانون الأحكام الضريبية المتعلقة بالأنشطة البترولية لتعطي للمجلس النيابي فرصة طال انتظارها لاستعادة ما سلب منه من صلاحيات الرقابة والتشريع في هذا القطاع، فمن البديهي أن يعقد اللبنانيون آمالهم على ممثليهم الشرعيين لتصحيح ما حصل من انحرافات. كما أنه من البديهي أن تمارس السلطة التشريعية صلاحياتها الرقابية لوضع كلّ مسؤول أمام مسؤولياته في معالجة قضية بحجم قضية البترول والغاز، وما لها من تداعيات على مستقبل اللبنانيين.
الانحرافات التي أدى إليها تجاهل المبادئ الجوهرية للقانون البترولي 2010/132 لا تقتصر على شلّ الدولة وحرمانها من إمكانية المشاركة في الأنشطة البترولية ومراقبة عمليات وحسابات الشركات العاملة. لا بل إنه يتجاوز ذلك، على الصعيد المالي، إلى انخفاض كبير لا مبرر له في الحصة الكلية التي تعود للدولة (Government Take) من الأنشطة البترولية، كما يدل على ذلك تحليل مختلف مكونات هذه الحصة، والمذكورة سواء في مرسوم EPA رقم 43، أو في مشروع قانون الأحكام الضريبية المعروض على المجلس النيابي.
أولاً، من حيث المكونات المذكورة في المرسوم فإنها تمتاز كلها، دون أي استثناء، بمستويات أدنى، وأحياناً أدنى بكثير مما هو متعارف عليه ومطبّق في البلدان الأخرى، ألا وهي «رسوم المساحات» التي تكاد تكون رمزية، وإتاوة (Royalty) تتراوح بين 5 و12% على البترول، حسب مستويات الإنتاج، و4 % فقط لا غير على إنتاج الغاز، مقابل 12.5% في إسرائيل ومعظم البلدان الأخرى، وغيرها في معظم دول العالم الأخرى، وحتى 18.75% في بعض مناطق خليج المكسيك. كذلك الأمر بالنسبة إلى سقف استرداد النفقات (Cost stop) الذي يحدده المرسوم بـ65% سنوياً في حين أن هذا السقف لا يتجاوز 50% كمعدل عالمي. أخيراً لا يأتي المرسوم على الإطلاق على ذكر مختلف العلاوات (Bonus) المتعارف عليها والتي تدفعها الشركات عند توقيع الاتفاق، أو بعد التأكد من اكتشاف تجاري، أو عند بلوغ الإنتاج مستويات معينة.

خطف بعض
موظفي وزارة الطاقة صلاحيات المجلس النيابي التشريعية

تضاف إلى العناصر أعلاه حصة من الأرباح حددها المرسوم EPA رقم 43 على مستوى لا يقل عن 30%، وأخيراً ضريبة على أرباح الشركات العاملة تبلغ 20%، وفق المشروع الضريبي الجديد. هذا مع الإشارة إلى أن حصة 30% للدولة من الأرباح قابلة للارتفاع، تزامناً مع تطور عامل «ر» أو «R» الناجم عن نسبة التدفقات النقدية المتراكمة إلى النفقات الرأسمالية المتراكمة. إلا أن واضعي المرسوم 43 قد أضافوا إلى حساب تحديد العامل هذا عناصر مزايدة غير مألوفة في البلدان الأخرى، نظراً إلى ما لمبدأ المزايدة من مخاطر أهمها:
1) أنها تتعارض مع الحاجة للشفافية والمنافسة بين الشركات المعنية.
2) تفتح الباب واسعاً للرشاوى والفساد خلال تفاهمات وراء الباب.
3) لأن تطور عناصر المزايدة مع الوقت تتحكم بها الشركات العاملة، طالما أنها تسيطر وحدها على كل الأنشطة البترولية وعلى كل التدفقات المالية المتعلقة بها.
أما الدولة وسط ذلك كله، فمحكوم عليها أن تبقى كما يقال كالأطرش في الزفة، بعد أن تم شلها وإبعادها كلياً عن هذه الأنشطة.

حصة الدولة أقل من النصف

لهذه الأسباب، وعلى ضوء عناصر الدخل المذكورة في مرسوم EPA وفي مشروع القانون الضريبي، يتبين أن مجموع حصة الدولة من الأرباح تبقى دون النصف خلال السنوات الأولى من الإنتاج (كما يدل على ذلك الرسم المرفق)، انطلاقاً من فرضية مجموع تكاليف يوازي ثلث مجموع الدخل. في هذه الحالة، لا تتجاوز حصة الدولة من مجموع صافي التدفقات المالية 47%، في مقابل 53% للشركات العاملة، وهو مستوى أدنى بكثير من معدلات تتراوح بين 65% و85% تحصل عليها الدول المنتجة في إطار مئات عقود تقاسم الإنتاج المطبقة في أكثر من 70 دولة في العالم. لا بل إن حصة لبنان تبقى أدنى مما كانت تجنيه الدول المصدرة في القرن الماضي في إطار الامتيازات القديمة، والتي كانت تتكون من إتاوة 12.5% من قيمة الإنتاج، تضاف إليها ضريبة دخل 50%. هذه الفروقات الكبيرة مقارنة بحصة 47% في لبنان تترجم عملياً بخسارات قد تتجاوز مليارات الدولارات.
أما على المدى البعيد فإن تقدير حصة الدولة يصطدم بعقبتين رئيسيتين. الأولى هي استحالة التكهن بتطور المعطيات الأساسية التي ستتحكم بتحديد الأرباح، خاصة كمية ونوعية الاكتشافات المحتملة، وأسعار البترول والغاز، والاستثمارات اللازمة، بالإضافة طبعاً إلى حجم الإنتاج والدخل والتكاليف. أما العقبة الثانية فهي أن معظم المعطيات اللازمة لمعرفة الأرباح، حاضراً ومستقبلاً، سيكون من شبه المستحيل على لبنان التأكد من دقتها، طالما أن الدولة تم أبعادها كلياً عن أنشطة بترولية وغازية تقوم بها وتسيطر عليها الشركات العاملة. أضف إلى ذلك أن تطور نسب تقاسم الأرباح بين الدولة والشركات يبقى خاضعاً لعوامل «المزايدة» المشار إليها أعلاه، والتي وضعت بشكل يعطي الشركات هامشاً واسعاً من التحرك لتفصيلها على قياسها.
هذا الواقع لم يغير فيه بأي شكل الدور الوحيد الذي يتكرم به المرسوم 43 للدولة، ألا وهو حق طلب تعيين مجرد «مراقب» (كذا) في بعض اجتماعات لجنة إدارة الشركات العاملة (المادة 16 من المرسوم).
* رئيس المركز اللبناني للطاقة والابتكار
* نص مذكرة مرفوعة إلى أعضاء المجلس النيابي









استعادة دور المجلس النيابي

هذا وضع يجعل من الضرورات الملحة عودة المجلس النيابي إلى ممارسة دوره الطبيعي وصلاحياته التشريعية والرقابية في هذا القطاع الحيوي. ويبدو أن هذا الدور يتمثل في الظروف الراهنة في:
1) تصحيح ما حدث من انحرافات وتجاهل للمبادئ الأساسية التي ينص عليها القانون البترولي 2010/132.
2) إخضاع كل اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج لموافقة المجلس النيابي للتأكد من التزامها بأحكام القانون.
3) الإسراع في إنشاء شركة نفط وطنية تمثل الدولة في عقود تقاسم إنتاج حقيقية، كما هي الحال في عشرات الدول الأخرى. هذا مع إمكانية فتح رأسمال هذه الشركة لكل اللبنانيين ضمن شروط تؤمن المصلحة العامة،
هذه شروط جوهرية لا بدّ منها كي تكون مقاربة قضية البترول والغاز على مستوى آمال اللبنانيين، وكي لا تستباح حقوقهم في اتفاقيات استكشاف وإنتاج تمتد على ما يقارب أربعين سنة.
ومن الطبيعي أن تكون صيانة هذه الحقوق أمانة بين أيدي ممثليهم الشرعيين.






لماذا طمس هوية من يقف وراء بعض الشركات؟


برزت مؤخراً اقتراحات تدابير جديدة تؤدي، لا محالة، إلى زيادة الضبابية حول مسيرة البترول والغاز، وذلك تحت ستار "ضرورة تحفيز الاستثمار وعمل الشركات صاحبة الحقوق وتعزيز تنافسية القطاع البترولي اللبناني".
وإن كانت ضرورة تحفيز الاستثمار وتأمين تنافسية القطاع المذكور من البديهيات، فثمة علامات استفهام كبيرة مطروحة حول المبررات الحقيقية للتدابير الجديدة التي أعلن عنها خاصة خلال ورشة العمل حول "النظام الضريبي للنفط والغاز"، التي نظمتها في 17 شباط 2017 لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه في المجلس النيابي. ومن أهم وأغرب التدابير المقترحة "السماح للشركات المؤهلة مسبقاً بتأسيس شركات مغفلة مملوكة بالكامل من غير اللبنانيين". يضاف إلى هذا السماح بـ"إعفاء" الشركات نفسها المؤهلة مسبقاً من المادة 78 من قانون التجارة، علاوة على تسهيلات وإعفاءات أخرى بعيدة كل البعد عن موضوع "تنافسية القطاع البترولي" وعن المصلحة العامة. خاصة وأن المادة 78 المذكورة من قانون التجارة، والمطلوب إعفاء الشركات البترولية المعنية منها، تقضي بأنه "يجب أن يكون لجميع الشركات المغفلة المؤسسة في لبنان مركز رئيسي في الأراضي اللبنانية، وتكون هذه الشركات حكماً، رغم كل نص مخالف، من الجنسية اللبنانية". وتنص المادة نفسها على أنه "يجب أن يكون ثلث رأسمال الشركات المغفلة التي يكون موضوعها استثمار مصلحة عامة أسهما اسمية لمساهمين لبنانيين ولا يصح التفرغ من هذه الأسهم بأية صفة كانت إلا لمساهمين لبنانيين، وذلك تحت طائلة البطلان".
ومهما كان المقصود من هكذا إعفاءات، فالواقع أنها تعطي الشركات المؤهلة مسبقاً، خاصة الشركات الوهمية أو المشبوهة، إمكانية طمس هوية من يقف وراءها والتنكر في ثياب شركات مغفلة تقبع بعيداً وراء الحدود.