لندن | في ما بدا خطوةً لا بدّ منها لصياغة تحالف وطني متين في مواجهة الحرب الأميركيّة على فنزويلا، واستكمال بناء الأدوات الدستوريّة والقانونيّة اللازمة لتعديل مسار الثورة البوليفاريّة في مواجهة عنف قوى المعارضة اليمينية المتحالفة مع الأميركيين، أجرت فنزويلا الأسبوع الماضي انتخابات عامة لاختيار جمعيّة وطنيّة تأسيسية جديدة في البلاد، تُناط بها صلاحيّات تعديل الدستور وإعادة تشكيل مؤسسات الدولة.
ولم تكد السلطات تعلن نتيجة التصويت قبل أيام في هذه الانتخابات، حتى أطلقت «سمارتماتك»، وهي شركة بريطانيّة تولت (مع شركات أخرى تعاقدت معها كاراكاس) تقديم خدمات البنية التقنيّة لعمليّة التصويت، ادعاءات بأنها تعتقد بحدوث تزوير في العدد الرسمي للمواطنين الذين أدلوا بأصواتهم وفق أرقام الهيئة المنظمة للانتخابات، وأن ذلك ربما تجاوز مليون صوت على الأقل. وقال المدير التنفيذي للشركة، أنطونيو موخيكا، في خلال مؤتمر صحفي عقده في لندن الأربعاء الماضي، إن شركته تعتقد «بما لا يدع مجالاً للشك» أن الأرقام التي أعلنتها السلطات الفنزويليّة عن أعداد الناخبين «متلاعب بها». ولمّا توجه إليه أحد الصحافيين بالاستفسار عن سبب إعلان شركته هذه المعلومات من خلال مؤتمر صحفي في لندن، ولم تُعلم سلطات كاراكاس بها رسميّاً، قال: «أنا لا أعتقد بأن السلطات هناك ستتفهم ما كنا نريد أن نقوله».
المصادر الرسميّة الفنزويليّة أكدت أن كافة موظفي «سمارتماتك» كانوا قد غادروا كاراكاس متوجهين إلى لندن قبل عقد موخيكا مؤتمره الصحافي.

التدقيق في خلفيات حملة «سمارتماتك» يثير الشكوك


الرئيس مادورو الذي كان يتحدث أمام الأعضاء المنتخبين للجمعيّة التأسيسيّة، اتهم «سمارتماتك» بالانحناء لضغوط أميركيّة مكثّفة لنشر مثل تلك الادعاءات. «ذلك الأحمق، رئيس سمارتماتك، ضغط عليه الغرينغوز والبريتس، ممسكين برقبته ليقول إن الناخبين كانوا أقل من ثمانية ملايين فنزويلي». «أنا على قناعة بأن عشرة ملايين فنزويلي نزلوا للتصويت». (والغرينغوز كلمة إسبانيّة عاميّة تطلق على الأميركيين الشماليين بمعنى من التحقير، والبريتس هي إشارة مماثلة إلى البريطانيين). كذلك قلّلت رئيسة المجلس الانتخابي الفنزويلي (الذي أدار العمليّة الانتخابيّة في البلاد)، تايبسي لوسينا، من قيمة تعليقات موخيكا، معتبرةً إياها «نوعاً من إبداء الرأي لشركة لم تلعب سوى دور ثانوي للغاية في توفير القاعدة التقنيّة لعدّ الأصوات».
لكن في ظل الهجمة الغربيّة المتصاعدة ضد ذلك البلد، إن اتهامات «سمارماتك» للسلطات الفنزويليّة بالتلاعب بنتيجة الانتخابات تحولت إلى ما يشبه حقيقة مفروغ منها، وتصدرت وسائل الإعلام الغربيّة في ما يشبه حملة منسقة لنزع صدقيّة العمل الديموقراطي المحض الذي أقدمت عليه كراكاس، من دون التساؤل ولو للحظة عن دوافع محتملة لهذه الشركة البريطانيّة في الانضمام لجوقة المعادين لمادورو ورفاقه.
التدقيق في خلفيات «سمارتماتك» يثير الشكوك. فالشركة مملوكة بالكامل من قبل البارون البريطاني مارك مالوتش ـ بروان، وهو خبير علاقات عامة وصحافي خدم كوزير دولة في حكومة غوردن براون (2007 – 2009) معروف بدعمه السياسات النيوليبراليّة منذ أيام عمله في مجلة «الإيكونومست» البريطانيّة، ولاحقاً في وظائف استشاريّة ورسميّة عدة. الرجل احتفظ عبر السنوات بعلاقات وثيقة عبر السنين مع البليونير الأميركي، جورج سوروس، عرّاب أكبر شبكة عالميّة لما يسمى منظمات المجتمع المدني التي تتعاون مع أجهزة الاستخبارات الغربيّة لمدّ مظلة الهيمنة الأميركيّة إلى دول عديدة، وكان دائماً الرقم المشترك وراء «الثورات البرتقاليّة» من حركة تضامن في بولندا، إلى جورجيا وأوكرانيا، مروراً بالتأكيد، بـ«ثورات الربيع العربي».
جورج سوروس ــ أهم ممولي منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأميركيّة التي تقود أعنف حملات التحريض الإعلامي المستمرة ضد حكومة فنزويلا ــ كان قد عيّن مالوتش ــ براون عام 1993 في لجنته الاستشاريّة المسؤولة عن إدارة نشاطات سورس المشبوهة في يوغوسلافيا السابقة. وقد ردّ الأول التحيّة لسوروس بأحسن منها عام 2002 عندما دفع أثناء عمله مديراً لصندوق الأمم المتحدة للتنمية إلى تعاون وثيق وتنسيق للجهود مع معهد المجتمع المفتوح Open Society Institute ــ الذي هو واجهة رئيسيّة لنشاطات سوروس.
في 2007 عُيّن مالوتش ـ براون نائباً لرئيس «كوانتم فاند» التي هي صندوق استثماري هائل يمتلكه سوروس ويقدّم خدمات ماليّة عبر جنات ضريبيّة عدة.
إلى جانب ذلك، فقد تبيّن أن مؤسس ورئيس المجلس العالمي لحقوق الإنسان (الذي يضم شخصيّات تعمل لدى سوروس، منها مثلاً كينيث أندرسن ــ المستشار القانوني لسورس)، ثور ـ هالفيرسن ميندوزا، هو ابن عم لكل من زعيم المعارضة اليمينيّة في فنزويلا، لوبولدو ميندوزا، (المتهم رسميّاً بالمسؤوليّة عن التسبّب بأعمال عنف في 2015) أدّت إلى مقتل 43 شخصاً على الأقل، والرئيس التنفيذي لشركة «بولار» (أكبر شركات توزيع المواد الغذائيّة في فنزويلا)، لورنزو ميندوزا. وتتهم كاراكاس هذه الشركة بالتسبب بانقطاعات المواد الغذائيّة الأساسيّة في البلاد من خلال تكديسها المستوردات في المستودعات وبيع القليل منها فقط في السوق السوداء.