أفضت ثلاثة أسابيع من العمليات العسكرية المتواصلة للجيش وحلفائه، إلى السيطرة على بلدة السخنة آخر معاقل «داعش» في ريف حمص الشرقي. وتخلل تلك العمليات تمهيد ناري كبير وتقدم بطيء على التلال الحاكمة، وآخرها جبل طنطور، الذي فتحت السيطرة عليه باب الدخول إلى كامل البلدة، عقب فرار ما تبقى من مسلحي التنظيم منها. وبدا واضحاً أن الجيش عمل على السيطرة على البلدة بأقل عدد من الخسائر البشرية، وبأخف الأضرارعلى البنى العمرانية فيها، من خلال اتباع أسلوب التطويق الذي نجح في استنزاف عناصر التنظيم.
وتبرز أهمية السخنة لكونها أحد أهم شرايين «داعش» في مناطق سيطرته ضمن البادية، بصفتها تشكل عقدة اتصال وسطيّة بين معظم تلك المناطق. ومن المنتظر أن تساعد أهميتها تلك في جهود الجيش لإنهاء وجود التنظيم في ريفَي حمص وحماة الشرقيين، والتمدد شرقاً باتجاه دير الزور لفك الحصار عنها. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الجيش سوف يستغلّ سيطرته على البلدة، لتسريع التقدم باتجاه الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور، مستغلاً المساحات الصحراوية الشاسعة التي تفصل السخنة عن أول تجمع عمراني في بلدة كباجب (83 كلم عن السخنة)، باستثناء سلسلة من التلال إلى شمال البلدة وشرقها. وفي موازاة السيطرة على البلدة، حقق الجيش تقدماً أمس جنوبها، مسيطراً على تل أبو قل وتلول الملح وظهرة رجم القن.

تشهد مدينة دير الزور
فراراً لعدد من مسؤولي
التنظيم وعناصره

وفي مسار مواز للتقدم المرتقب نحو دير الزور، من المحتمل أن يركّز جهد الجيش على تقليص المسافة التي تفصل قواته في السخنة عن تلك المتقدمة من جنوب الرصافة باتجاه موقع الكوم الأثري، ولا سيما أن المسافة التي تفصلهما تقدر بحوالى 60 كيلومتراً. وسوف يفضي الضغط على هذا المحور إلى إخراج التنظيم من سلسلة جبال ومرتفعات استراتيجية في عمق البادية؛ أهمها الضاحك ومنشار، والتي ستتيح حصر التنظيم في جيبه الممتد غرباً على مناطق في ريفي حمص وحماة الشرقيين.
وفي السياق نفسه، قال مصدر عسكري من غرفة العمليات في السخنة لـ«الأخبار» إن «الجيش نجح خلال فترة تطويق البلدة في القضاء على مجموعات كبيرة من التنظيم، وأفقده قدرات نارية وبشرية كبيرة». وأضاف أن «العمل سوف يبدأ للتقدم سريعاً نحو دير الزور، تزامناً مع تأمين جانبي الطريق لمنع التنظيم من إبطاء العمليات»، مشيراً إلى أن «السيطرة على السخنة كانت المفصل الرئيسي نحو التقدم. وبات الطريق مفتوحاً باتجاه الدير، باستثناء بعض التجمعات السكنية الصغيرة في الطيبة والشولا وكباجب والمالحة».
وفي السياق، استكمل الجيش تثبيت نقاطه على طول الخط الجنوبي لنهر الفرات، في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، وبشريط يمتد على طول 35 كيلومتراً بين بلدتي الدلحة والنميسة، لتبقى قريتا الجابر والخميسية تفصلانه عن بلدة معدان. وبالتوازي، تتواصل الاشتباكات بين الجيش ومسلحي التنظيم في منطقة أرض الكعبة وبلدة مشيرفة، في البادية الفاصلة بين دير الزور والرقة، والتي بات فيها الجيش يبعد أقل من 50 كيلومتراً عن دير الزور.
ومع اقتراب الجيش أكثر من دير الزور، أعلن تنظيم «داعش»، أمس، فرض «التجنيد الإجباري» على أهالي المدينة الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاماً. يأتي ذلك، في وقت أكدت فيه مصادر محلية أن «حركة النزوح ازدادت بشكل كبير إثر قرار التنظيم الأخير»، ما يشير إلى تزايد الرفض الشعبي للانخراط في أي عمليات ضد الجيش.
وترافق تقدّم الجيش مع حملة استهدافات لمقار التنظيم من جهات مجهولة، إذ أقدم مجهولون على حرق مقر «الرقابة والتفتيش» التابع للتنظيم في مدينة الميادين، بالإضافة الى حرق سيارة للتنظيم في بلدة الطريف. وتزامن ذلك مع موجة فرار لمسلحي التنظيم من مناطق سيطرته في دير الزور إلى جهات مجهولة، إذ سُجّل فرار المسؤول المالي عن رواتب المقاتلين الأجانب، أبو أيمن التدمري، وبحوزته مبلغ يتجاوز المليون دولار، مع هروب مماثل لمسؤول التدريب والتسليح في المدينة، أبو محمد الخراساني. كذلك، سجلت حالات اشتباك بين عناصر التنظيم المحليين والأجانب، في حي الحميدية في دير الزور وفي مدينة البوكمال، إثر رفض المحليين قرار قيادة التنظيم زجّهم جميعاً في معارك دير الزور، ومصادرة أملاك المخالفين للقرار.
ومع حالة الاستنفار في صفوف التنظيم، ارتفعت وتيرة العمليات العسكرية للجيش داخل المدينة، إذ نجح في عمليتين خاطفتين، بالسيطرة على مسافة تصل إلى كيلومتر في مناطق سيطرة «داعش» التي تفصل المدينة عن المطار. وأكد مصدر عسكري لـ«الأخبار» أن «الجيش اتبع تكتيكاً جديداً في معركة المقابر، أثمر السيطرة على قرابة نصف الطريق الفاصل بين المطار والمدينة»، مضيفاً أن «العمليات هذه المرة لن تتوقف حتى فتح الطريق بين المطار والمدينة». وكشف المصدر أن «الجيش يتخذ تدابير دفاعية كبيرة، مع تحديد بنك أهداف لمنع تنظيم (داعش) من تخفيف الضغط الحاصل عليه في الجبهات، لتحقيق أي تقدم ميداني على الأرض»، لافتاً إلى أن «معنويات عناصر الجيش ترتفع مع كل خطوة يخطوها الجيش نحو دير الزور، التي بات فك الحصار عنها مسألة وقت فقط».