تجتمع المعطيات الواردة من منطقة التنف على مثلث الحدود السورية ــ العراقية ــ الأردنية، لترسم خطاً زمنياً متسارعاً لخلوّ تلك المنطقة من القوات الأميركية والفصائل التي تقاتل معها؛ فبعد أيام قليلة على ورود معلومات، نشرتها «الأخبار» (العدد 3240)، عن قرب انسحاب الأميركيين من قاعدة التنف وتسليمها لقوات روسية، بدأ فصيل «مغاوير الثورة»، الذي يعدّ الفصيل الوحيد الملتزم بجدول أعمال الأميركي بشكل كامل، يتحدث عن مفاوضات جديدة لنقله نحو الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، بهدف إطلاق عملية عسكرية نحو مناطق وادي الفرات.
المفاوضات التي تحدث عنها أحد إعلاميي «مغاوير الثورة»، ويدعى أبو مارية العزامي، تدور بين «الهيئة السياسية» للفصيل والجانب الأميركي، وفق حديثه. وتتضمن انتقال «مغاوير الثورة» نحو منطقة الشدادي، على أن تعمل على حشد وجهاء المنطقة المحليين لدعم تحركها نحو دير الزور. وبدا لافتاً في حديث العزامي كشفه عن أن رياض حجاب، المنسّق العام لـ«هيئة التفاوض العليا»، هو أحد قطبي تلك «الهيئة». وبالتوازي مع تلك التفاصيل، نشر أحد المقرّبين من «مغاوير الثورة» ما مفاده أن شروطها للموافقة على العملية ومغادرة التنف هي عدم تنسيقها أو انضوائها تحت لواء «قوات سوريا الديموقراطية»، وانفرادها بأحقية إطلاق عملية عسكرية نحو دير الزور. غير أن الأخير عاد ليشير إلى أنه تم الاتفاق «بعد اجتماع مطول» على أن تكون «عمليات تحرير دير الزور» انطلاقاً من البادية، لافتاً إلى أن مصادر قالت إن «قسد» رفضت عرض «المغاوير» وأوضحت أن «قوات الصناديد» هي من ستقود العمليات انطلاقاً من الشدادي.
وعلى الرغم من أن الفصيل تحدث عن مفاوضات مماثلة في السابق، غير أن المعلومات تفيد بأن هذه المحادثات تحمل طابعاً جدياً في ضوء خطط الجيش السوري وحلفائه للتمدد شرقاً على طول الحدود مع الأردن. وقد تكون أولى بواكير تلك الخطط هي تحرك الجيش وحلفائه أمس في ريف السويداء الشرقي جنوب منطقة سد الزلف، وسيطرتهم على منطقة الضبيعية وتل الأسدية جنوب السد، وعلى بئر الرفاع ونقطة المخفر 30 وتلة الحردية، قرب الحدود الأردنية ــ السورية. وبينما يمضي «مغاوير الثورة» في الخطط الأميركية، تبدو باقي «فصائل البادية» منخرطة في القتال ضد الجيش على جبهات البادية. وشنت أمس بدورها، هجوماً على محور تل المحروثة، جنوب شرق جبل سيس، في محاولة للتقدم إلى المناطق التي سيطر عليها الجيش خلال تحركه الأخير على تلك الجبهة في ريف دمشق الشرقي، جنوب شرق مطار السين.
وبعيداً عن البادية الجنوبية، عادت جبهة ريف حماة الشمالي لتشهد تصعيداً جديداً، بالتوازي مع انقضاء اليوم الأول على هدنة ريف حمص الشمالي، التي انضمت إلى غوطة دمشق والمنطقة الجنوبية. ورغم الاشتباكات المتقطعة التي شهدتها تلك الجبهة منذ استعادة الجيش السوري لغالبية النقاط التي خسرها هناك في هجوم سابق للفصائل المسلحة قبل أشهر، فإن التصعيد أمس يعدّ الأعنف خلال هذه المدة. وتمكّن الجيش من صدّ هجوم شنّته تلك الفصائل في محيط بلدة معان، في ريف حماة الشمالي. ولم تشهد باقي محاور الجبهة هجوماً مماثلاً، بل تركزت الاشتباكات في محيط البلدة ومنطقة تل بزام. واستدعى الهجوم زخماً عسكرياً مضاداً من قبل الجيش، الذي استهدف سلاحا الجو والمدفعية فيه خطوط المهاجمين الأولى، وعدداً من مواقعهم في بلدات ريف حماة الشمالي. واضطرت الفصائل إلى وقف الهجوم بعد خسارتها لعدد من الآليات والأفراد خلاله.
ويأتي تحريك تلك الجبهة الساكنة ليثير تساؤلات عديدة، في ضوء بقاء منطقة إدلب وأجزاء من ريفي حلب وحماة خارج إطار اتفاقات «تخفيف التصعيد» حالياً، لا سيما مع أحاديث روسية عن محادثات مرتقبة بخصوص تلك المنطقة، لتثبيت حدودها وآلية مراقبة الهدنة ضمنها. وضمن هذا الإطار، لفت نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في حديث إلى الصحافيين أمس، إن «هناك اتفاقات ضمن إطار محادثات أستانا حول إنشاء مناطق (تخفيف التصعيد) الأربع. وهناك تفاوت في عملية تقدم المحادثات حول تلك المناطق، غير أننا نأمل إنجاح هذ العمل المشترك بين روسيا وإيران وتركيا». إلى ذلك، نقلت وكالة «تاس» الروسية عن مصدر في وزارة الخارجية الأميركية قوله، تعليقاً على اتفاق الهدنة في ريف حمص الشمالي، إن بلاده تؤيّد إقامة هذه المنطقة «رغم أنها ليست جزءاً من تلك العملية»، مضيفاً أنها «سوف تواصل دعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة للوصول إلى سلام في نهاية المطاف».
وفي موازاة ذلك، شهدت جبهات بلدة السخنة وريف الرقة الجنوبي تثبيتاً لنقاط الجيش وحلفائه، في مقابل محاولة تنظيم «داعش» شنّ هجوم معاكس على أطراف السخنة. وأشارت وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم إلى أن عدداً من عناصره، بينهم «انتحاريون»، هاجموا نقاط الجيش غرب البلدة. كذلك، استعاد الجيش السيطرة على عدد من النقاط في ريف السلمية الشرقية، بالتوازي مع غارات جوية استهدفت تقاط التنظيم في محيط بلدة عقيربات في ريف حماة الشرقي.
وعلى صعيد متصل، نقلت شبكة «سي أن أن» الأميركية عن «مصادر مسؤولة» قولها إن موسكو ودمشق تحاولان «إغراء وتجنيد مقاتلين سوريين مدعومين من الولايات المتحدة»، في قاعدة التنف. وقال أحد المصادر إن «حملة التجنيد تستهدف القيادات الوسطى من الجماعات، التي يُدرّبها ويسلّحها (التحالف الدولي) في التنف». ولفت المتحدث باسم «التحالف»، ريان ديلون، إلى أن «أحد المنشقين كان يحاول تجنيد رفاقه السابقين وإقناعهم بالانضمام إلى النظام»، مضيفاً أن «هذه الجهود لم تحقق نجاحاً ملموساً حتى الآن». وأضافت الشبكة نقلاً عن أحد المصادر قوله إن «هناك هدفين لحملة التجنيد، الأول هو بناء قوة من المقاتلين المحليين، والثاني إزاحة (التحالف) من منطقة مهمة في جنوب سوريا». وأوضح أن «النظام يحتاج إلى مقاتلين محليين قادرين على تأمين المناطق التي تحرّرها قواته من قبضة (داعش)». والهدف الثاني، وفق المصدر، هو «إضعاف حجّة (التحالف) في الوجود في التنف، والسماح لحلفاء دمشق بالضغط على الولايات المتحدة وحلفائها لمغادرة هذه المنطقة الاستراتيجية».
(الأخبار)