بدون نقاش مع أحد يمكن القول بأن السوشال ميديا اقتحمت عوالمنا، وصارت عصب الحياة اليومي، لدرجة الشعور بانقطاع الأوكسجين عندما تتعرض شبكة الانترنت إلى عطل. أخيراً صار البث المباشر على الفايسبوك بمثابة تقليد معاصر للإعلان عن الأحداث الفنية، والفعاليات، والمعارض، والنشاطات التسويقية، وحتى مشاركة العموم لحظات من الحفلات الخاصة... ما جعل هذا «اللايف» بمثابة منبر يمكن أن يعتليه كل من يملك صفحة على الفايسبوك، ليدلو بدلوه بطريقة أكثر حداثة، بعيداً عن أي نوع من أنواع الضوابط أو الرقابة بروحها الإيجابية التي تبني سداً في وجه الانحدار، والتشوّه اللفظي.
ولعل إطلالة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان لدى محاولة الإنقلاب عليه في العام الماضي عبر تقنية الفايس تايم، رغم منعه تداول السوشيال ميديا في بلاده كانت المفارقة الأكثر دهشة بما يخص هذا الموضوع. منذ فترة طرح بعض الفنانين السوريين سهم «البث المباشر» عبر الفايسبوك نحو التداول، إضافة لكونه بات يمثّل فسحة للمغترين من الممثلين الذين أقصاهم الظرف الطارئ على سوريا، لكي يطلّوا ويقولوا ما يشاؤون، ويجرّبون العودة نحو الضوء ولو بحزمة بسيطة منه. الحالة تعطي إحساساً يكرّس شعور النرجسية والغرور، تماشياً مع نتائج دراسات علمية أثبتت إمكانية تعرض الشخص الذي يمضي وقتاً طويلا على الموقع الأزرق لعقد غرور والتباهي المبالغ فيه، خاصة إذا كانت صفحته تحصد عدداً كبيراً من الإعجابات. في البث المباشر يتخيّل الشخص العادي أنه تحول إلى قائد جيوش وصار يقع على عاتقه مهمة إلهاب حماس الجنود، أو أنه معادل موضوعي «للمهدي المخلّص» الذي يعتقد أنه يملك الحلول على جميع ما تعانيه البشرية.
بخفة مذهلة قرّرت الممثلة السورية الناشئة روزينا لاذقاني (الصورة) أن تخوض التجربة ليس من خلال صفحاتها الإفتراضية، بل بعد استضافتها على هوا إحدى الصفحات الفنية الخفيفة التي تحظى بمئات آلاف المتابعات. الممثلة التي حصدت الموسم الأخير إقبالاً واستحساناً جماهيراً واسعاً، واكبه تحليل نقدي لموهبتها الاستثنائية وفهمها لفن التمثيل بأسلوب معاصر، يبدأ من نظرة العين المدركة التي تحدّق مباشرة في المشاهد، وتصل إلى قلبه، ويتعدى ذلك إلى حركة الجسد، وخامة الصوت، ودراسة الشخصية، ورسم ملاحها النفسية قبل بنائها على المستوى الشكلاني. فإذا بها تطيح هنا بضربة واحدة ما استبشرناه على مستوى ثقافتها ونضجها كممثلة محترفة. اختارت في أولى إطلالتها الإعلامية أن تتحول إلى صورة ساذجة مستنسخة عن الجانب السلبي من حالة المذيعة المخضرمة ماريا ديب، عندما كانت تساهر مساءات السوريين دون أن تفعل شيئاَ سوى فض مغلفات الرسائل، لقراءة إهداءاتهم وأغانيهم. مثلا كانت تقول: «من أبو عبدو في حلب إلى زوجته إم عبدو بمناسبة قدوم المولود الجديد عبدو وأغنية هاني شاكر غلطة وندمان عليها» هكذا، أطّلت الممثلة الجميلة لتقرأ تعليقات العامة من الناس وتردد على مدار 40 دقيقة جملاً جوفاء دون بذل أي جهد أو استعراض ما يمكنها من براعة كلامية. «شكرا، أكيد رح زور حمص، كلّك زوق، طبعا جاي ع بالي زور اللاذقية، سلامي لأهل الأردن، تحياتي لأهل السعودية، وأنا بحبكن» تلك هي المحصّلة النهائية لتبديد وقت من قرر أن يتابع. للأسف لم تمر ولا جملة واحدة عليها القيمة، ولا حتى مفردة هاربة بالغلط تنم عن ثقافة أو معرفة، لم نلتقط مجرد ملامح رغبة في صناعة تراكم يضاف إلى فطرية موهبتها.
المشهد لا يمكن تحميله أكثر من اللازم، فالممثلة السورية لا تزال طفلة تحبو بالنسبة إلى سنوات خبرتها منذ منحها المخرج السوري المثنى صبح فرصتها الأولى في «بواب الريح» (كتابة خلدون قتلان ــ 2014) لكن الأكيد بأن ممثلة شابة بموهبة وحضور روزينا لاذقاني تستحق إطلالة إعلامية أكثر هيبة مما يطلبه الجمهور الفايسبوكي!