يمكن الجزم بأن لا أحد من الصيداويين يعلم من هو فؤاد فريج، رئيس مجلس إدارة «شركة IBC ش.م.ل»، المشغِّلة لمعمل معالجة النفايات، وقبله حمزة مغربي، أو المالكون الأساسيون للمعمل (أغلبية سعودية خلافاً للقانون). قد يكون البعض سمع بنبيل زنتوت مساعد فريج، الذي أصدر بياناً لم يُسهم في تبديد الشكوك الكثيرة التي باتت على كل لسان في المدينة.والسؤال الأبرز الذي يطرح اليوم: أين البلدية من كل ما يجري؟ لماذا لم يتدخل رئيسها محمد السعودي بنحو حاسم لوضع النقاط على الحروف وتحديد المسؤوليات؟ وإذا كان الجميع يثقون بالرجل ونزاهته، إلا أن السؤال يبقى عن المصلحة من استمرار تغطية الفاسدين والمفسدين وحلقة المنتفعين من حولهم.

بدأت الحكاية منذ أكثر من أربع سنوات، حين كثر الكلام عن أن «الحلم أصبح حقيقة»، وأن المجلس البلدي برئاسة السعودي نجح في ما عجز عنه «الآخرون»، ألا وهو حلّ مشكلة النفايات التي أرهقت المدينة لسنوات طويلة وسبّبت كوارث بيئية واقتصادية واجتماعية، لن يكون بالمقدور حصرها حتى عشرات السنين المقبلة.
في الأصل، صممت شركة «IBC» معملاً لمعالجة النفايات البلدية الصلبة في صيدا، وهي تشغِّله منذ أربع سنوات. عملاؤها الأساسيون هم اتحاد بلديات صيدا ـ الزهراني الذي يضم 16 بلدية هي: صيدا ـ حارة صيدا ـ المية ومية ـ درب السيم ـ الهلالية ـ البرامية ـ عبرا ـ مجدليون ـ الصالحية ـ الغازية ـ مغدوشة ـ عنقون ــ بقسطا ـ عين الدلب ـ القرية ـ طنبوريت، بالإضافة إلى عين الحلوة (UNRWA).

الكميات والمصدر

بحسب وثيقة رسمية حصلت «الأخبار» على نسخة منها، يرد تقرير أعدته شركة «بيرو فيريتاس»، وهي الشركة الموكلة من اتحاد بلديات الزهراني للتأكد من تقيد IBC بالتزاماتها المدرجة في العقد الموقع معها بتاريخ 22/11/2003 وملحقاته بشأن معالجة النفايات البلدية المنزلية الصلبة. يتحدث هذا التقرير صراحة عن مجموعة كبيرة من المخالفات الخطيرة التي تشوب عمل المعمل على أكثر من صعيد، وأنه رغم المراجعات الكثيرة حولها، لم تتخذ أي من الأطراف المعنية أية مبادرة جدية لمعالجة هذه المشكلات أو حلها. ويكشف التقرير أن عملية تحديد مصدر النفايات إلى المعمل تكون بالاستعلام من سائق الشاحنة «شفهياً» من قبل موظف تابع لشركة IBC، وذلك لعدم وجود نظام GPS في الشاحنات، خلافاً لما نصت عليه مستلزمات العقد.

شركة IBC تعتبر أن المواد العادمة التي تبيعها هي حق حصري لها
وقد قامت «بيرو فريتاس» بإرسال كتاب إلى اتحاد البلديات للاستيضاح عن هذا الأمر بتاريخ 08/09/2016، لكن شيئاً لم يتغير على الرغم من مرور نحو عام على هذا الأمر. الأكيد أن هناك جهات عدة متواطئة لعدم تحديد مصادر وحجم النفايات الداخلة إلى المعمل كي تبقى العملية «فلتانة» من دون رقيب ولا حسيب.
ويثبت التقرير مخالفة إضافية تتعلق بـ«طريقة احتساب كمية النفايات العائدة لكل بلدية»، فعندما يكون خط الجمع يشمل عدة بلديات في شاحنة واحدة تضيع الطاسة ويصبح الاحتساب غير واضح، ويقوم ممثل الاتحاد يومياً عند انتهاء العمل بتقسيمها، لذلك قامت «بيرو فريتاس» بإرسال كتاب إلى اتحاد البلديات لاستيضاح طريقة الاحتساب في شهر أيلول الماضي، ولم يُستجَب لهذا الطلب، واستمرت المخالفات، لا بل زادت وتيرتها في الأشهر الأخيرة، بحسب مصادر مطلعة على الملف.
أما عن المواد العادمة المرحّلة، فإن التقرير يكشف أن شركة IBC تعتبر أن المواد العادمة التي تبيعها هي حق حصري لها، ولا تستطيع مراقبة أوزانها بما فيها كمية الـ (RDF) المرحّلة، وتكتفي بتسجيل الوقت والوجهة. ويذكر التقرير أنه في الآونة الأخيرة تزايدت عمليات نقل الـ (RDF) من المعمل عبر شاحنات خاصة، لا يعلم أحد من هم أصحابها ولا يجرؤ أحد على السؤال عنهم أو عن وجهتهم.
بشكل دوري، يتفقد مراقبو «بيرو فريتاس» أربع نقاط أساسية في المعمل وأطرافه هي (قرب الميزان، جهة البحر، جهة الجسر، المدخل) لتفقد وجود أي روائح غير طبيعية من المعمل أو حوله وتصوير أي مسبب ممكن لها، ويؤكد المراقبون أنه تزايدت أخيراً الروائح الصادرة عن معمل النفايات (IBC) بالإضافة إلى تكدس النفايات والعوادم (RDF) بشكل واضح، والشاحنات المحملة بالنفايات غير المعالجة الداخلة إلى المعمل.
وتظهر وثيقة أخرى تتضمن المراسلات بين شركة «بيرو فيريتاس» واتحاد بلديات صيدا والزهراني أن شركة IBC لم تستجب لطلب الاستيضاح المقدم من الشركة حول تحديد المواصفات المطلوبة والحدود القصوى المسموح بها للانبعاثات التي يجب على الشركة التقيد بها. وتبين الوثيقة أن الشركة لا تقوم بالفحوصات المطلوبة لتحليل نسب تلوث الهواء التي تتضمن قياس مولدات الديزل، والغاز الحيوي، سخانات الغاز الحيوي، نظام الفلترة الحيوي لمعالجة الانبعاثات، والتي تشمل غازات الأوكسيجين، ثاني أوكسيد الكربون، أحادي أوكسيد النيتروجين، ثاني أوكسيد الكبريت، الغبار، بريتيد الهيدروجين، والأمونيا... بل والمصيبة أن الشركة حتى وإن أرادت ذلك، فهي لا تملك الأجهزة المطلوبة للقيام بالأمر، خلافاً لما ينص عليه الاتفاق بين الطرفين.

التلاعب بالأسعار

في عام 2012، أبلغت بلدية صيدا شركة IBC رسمياً تنازلها عن الحق العائد لها لجهة معالجة 200 طن باليوم الواحد بدون مقابل لمصلحة إنجاح عملية تشغيل المعمل واستفادة اتحاد بلديات صيدا ـ الزهراني من السعر الأفضل لمعالجة الطن الواحد.
تقول الشركة في ردها: «قمنا بإخضاع موضوع السعر لمراجعة شاملة استنباطاً لعناصر جديدة من شأنها أن تساعد في خفضه إلى أقصى حد ممكن، التي نحددها بالآتي:
1. إيجاد السبل المناسبة لبيع الإنتاج الكهربائي.
2. إيجاد السوق المناسب لبيع إنتاج السماد العضوي.
3. إيجاد سبل بيع المواد القابلة لإعادة التدوير.
4. المحافظة على مكونات النفايات الأساسية وفقاً لما ورد في دراسة الأثر البيئي.
وتتابع: «إذا كانت الكميات الموردة للمعمل لا تقلّ عن 359 طناً يومياً، باعتبار أن بلدية صيدا ملتزمة تجاهنا بتسليمنا النفايات موضوع العقد حصراً، وتمكنا من تحقيق الحد الأقصى من توقعاتنا بخصوص العناصر الأربعة المحددة أعلاه، يمكننا والحالة هذه أن نلتزم تجاهكم بسعر معالجة الطن الواحد من النفايات المنزلية الصلبة وفقاً للآتي:
أ‌- مبلغ وقدره /85/ دولاراً أميركياً للطن الواحد خلال السنتين الأولى والثانية.
ب‌- مبلغ وقدره /95/ دولاراً أميركياً للطن الواحد خلال السنتين الثالثة والرابعة».
تضيف: «وذلك ليتمكن المعمل من تأمين المرود الضروري لاستمرار العمل وديمومته، واستناداً إلى الحق العائد لنا سنقوم كل سنتين بعد انتهاء الأربع سنوات المحددة إلى مراجعة سعر معالجة الطن على الأخذ بالاعتبار العناصر المكونة للسعر المعتمد لمعالجة الطن الواحد المحدد خلال السنوات الأربع الأولى والمتغير في مؤشرات تكلفة معالجة النفايات المنزلية الصلبة بالتقنية المعتمدة لدينا».