اختتام معرض ربيع مروّة «سنة كبيسة» («الأخبار» 18/5/2017)، لن يبعد طيف الحرب الأهلية اللبنانية عن «غاليري صفير زملر» (الكرنتينا ــ شمال بيروت). إذ سنشاهدها مجدداً في أفلام مارون بغدادي (1950 ــ 1993) التي تبدأ عروضها عند السابعة من مساء اليوم بمبادرة من «نادي لكلّ الناس».
والحرب هنا مصطلح هلامي تختلف تمثيلاته بين الممارسات الفنية لجيلَي بغدادي ومروّة. لقد عاش واحدهما الحرب منذ بدايتها، وتنبّه مبكراً إلى قدومها في باكورته الروائية «بيروت يا بيروت» (1975)، وكرّس سينماه لالتقاط الحرب وعوالمها والتوثيق لها في المجتمعات اللبنانية المقسّمة. أمّا مروّة، فيعدّ من فناني جيل ما بعد الحرب الأهلية الذين تلقفوا تأثيراتها وشرّحوها في مقارباتهم المفاهيمية والتجريبية عبر أنماط فنية وتجهيزات مختلفة من الفيديو إلى النحت والرسم والفوتوغرافيا. وهذا ما يظهر حجم حضور الحرب الأهلية اللبنانية التي لم تكد تغيب عن الفنون المحلية بتنوّع أنماطها. رغم اختلاف التجربتين، فإن مدير النادي نجا الأشقر رأى في معرض مروّة الذي يختتم في 31 تموز (يوليو) فرصة لتقديم مارون بغدادي إلى جمهور آخر. ضمن خطته التوثيقية للأفلام اللبنانية والعربية، عرض «نادي لكل الناس» أفلام المخرج اللبناني الراحل بين مدن عدة في بيروت وخارجها، وفي صالات السينما والمسارح والمقاهي والمخيمات، لكنها المرّة الأولى التي يعرض فيها داخل غاليري.

يحضّر «نادي لكل الناس» معرضاً فنياً عن السينمائي العام المقبل

هناك مشروع آخر سيتوّج التعاون بين الغاليري الفنية وبين «نادي لكل الناس»، وهو معرض فني يُفترض أن يقام في «صفير زملر» العام المقبل عن مارون بغدادي، كأحد أبرز الوجوه السينمائية وصاحب المشروع الأشمل في سينما الحرب اللبنانية. هكذا يستكمل النادي ما بدأه منذ تأسيسه عام 1998. الخطوة الأبرز كانت في ترميم وإعادة إصدار أفلام مارون بغدادي مجدداً، ضمن مجموعات وثائقية وروائية ما جعلها متاحة أمام الجمهور مجدّداً. أما الأفلام الثلاثة التي ستعرض حتى مساء الجمعة 28 تموز (يوليو)، فهي «بيروت يا بيروت» (1975 ـــ 110 د)، و«همسات» (1980 ـــ 90 د)، و«خارج الحياة» (1991 ــ 94 د) الذي يفتتح العروض مساء اليوم. الشريط الروائي الطويل الذي نال «جائزة لجنة التحكيم» في «مهرجان كان السينمائي» هو آخر أفلام بغدادي. يستند العمل الذي أظهر الجانب الفني لبغدادي بعيداً عن مشاغله التوثيقية، إلى التجربة الحقيقية للصحافي الفرنسي روجيه أوك الذي اختطف في بيروت الثمانينيات. ليس بعيداً عن الحرب، ستعرض أيضاً باكورته الروائية الطويلة «بيروت يا بيروت» (1975 ـــ 110 د) عند السابعة من مساء الغد. يعالج الشريط الذي عرض في بيروت قبل أيّام من حادثة عين الرمانة، مسألة التخبط الإجتماعي والطائفي والسياسي في السبعينيات، مظهّراً الإنقسام اللبناني بفجاجة أمام خلفيات تاريخية مثل حرب الـ 67 ووفاة الزعيم جمال عبد الناصر. وهذا ما جعل الفيلم الذي اعتبره كثير من النقاد نبوءة للحرب الأهلية اللبنانية، مانيفستو للسينما اللبنانية الجديدة ولجيل السينمائيين الذين اصطدمت تطلعاتهم التحديثية مع أحداث الحرب الأهلية السريعة.
الركام والدمار يظهران في «همسات» (1980 ـــ 90 د) الذي يعرض عند السابعة من مساء الجمعة 28 تموز (يوليو). في بداية الثمانينيات، تجول الشاعرة الراحلة نادية تويني على مواقع مختلفة، وتلتقي ببعض الفنانين والمصرفيين والمحامين والمواطنين من أصحاب المهن الأخرى. بعيداً عن طابعه النوستالجي والشاعري ورؤية بغدادي المثالية لما يحلم أن يكون عليه لبنان، فإن العمل يلقي نظرة على الواقع اللبناني خلال تلك الفترة المفصلية من الحرب، التي بدا فيها المستقبل مشوّشاً تماماً. يأتي عرض هذه الأفلام، بعدما أقام «النادي» جولة عروض لفيلم «3000 ليلة» لمي المصري في المخيمات الفلسطينية في لبنان. أما مارون بغدادي وجيله السينمائي كبرهان علوية وجان شمعون ومي المصري، والجيل اللاحق من السينمائيين اللبنانيين مثل غسان سلهب وماهر أبي سمرا واليان الراهب، فيعمل «نادي لكل الناس» على انجاز أرشيف رقمي وورقي لأعمالهم سيكون متاحاً أمام الباحثين والطلاب في مركز النادي الجديد في «مانشن» (زقاق البلاط ــ بيروت)، على أمل افتتاح «بيت للسينما لاحقاً»، كما يقول الأشقر.

* عرض أفلام مارون بغدادي: 19:00 مساء اليوم حتى 28 تموز (يوليو) ــ «غاليري صفير زملر» (الكرنتينا ــ شمال بيروت). للاستعلام: 01/566550