بعد عامين من المسح البحري الدقيق، لم يعثر فريق مشروع «قدموس» للبحث عن الآثار البحرية المطمورة قبالة صيدا وصور، عن السفن الفينيقية الـ 400 الغارقة في البحر التي ترد في بعض الروايات التاريخية.
في حال صحت الروايات، قد تظهر السفن بعد مسار إضافي آخر من المسح على غرار السفينة التي عثر عليها قبالة السواحل الإيطالية. لكن ما ظهر كان أكثر أهمية للبدء بـ«جمع تاريخ المدن الفينيقية في غياب أي وثيقة علمية» بحسب المسؤول عن المشروع اسكندر سرسق. التركيز على صور وصيدا يأتي كونهما مرفأين عالميين في العصر الفينيقي قبل فتح الإسكندر المقدوني ذي القرنين الذي نقل نشاطهما إلى مدينة الإسكندرية التي شيّدها على شاكلة صور. مذّاك، تغير تاريخ المدينتين وما يرى من آثار بيزنطية ورومانية يعود إلى القرن الأول بعد الميلاد. أين الأثر الفينيقي؟
تيمّناً بـ«قدموس» ابن ملك صيدا الفينيقي «أجينور» وشقيق أوروبا في الأساطير الإغريقية، انطلق في عام 2015 مشروع «قدموس» لمسح مناطق واسعة من البحر تصل إلى عمق مئة متر، بهدف تحديد حدود الشواطئ القديمة التي كانت قبل آلاف السنين ودراسة المناظر الطبيعية في قعر بحر صيدا وصور والطبيعة الجيولوجية له والكشف عن المواقع التي تحمل قيمة أثرية وثقافية من أجل فهم أوسع وأدق للتاريخ البحري للمدينتين. نفذ المسح فريق من الباحثين من «المجلس الوطني للبحوث العلمية» بالتعاون مع مؤسسة «أونر فروست» البريطانية المتخصصة في البحث البحري الأثري. وفي قصر دبانة التراثي في صيدا، أمس، اختتم المشروع باحتفال تكريمي.
وفي النتائج الأولية للمسح، تبين، وفق سرسق، أنّ البحر قديماً كان يصل إلى مساحات واسعة من اليابسة حالياً وأن جزيرة صور كان حجمها أكبر بكثير، وأن الهزات الأرضية المتكررة أدت إلى صعود جزء من اليابسة وانخفاض جزء آخر. المسح أيضاً أظهر في الطبقات العليا من المياه أطنان النفايات والإطارات وشباك الصيادين والسفن الحديثة الغارقة... المسح الشامل الذي نفذ بواسطة التقنيات الجيوفيزيائية المتوافرة في مركب قانا للبحث العلمي البحري، يحتاج إلى استكمال بحفر قعر البحر للكشف عن الآثار المطمورة بالرمال على مر السنوات.
رئيس المجلس معين حمزة لفت إلى أنّ «قدموس» يمكّن من بناء خريطة لقعر البحر وكشف أغواره بتقنية عالية والتعرف إلى الحضارات التي سكنت في حوض البحر المتوسط. وعلى الرغم من أن المسح لم يكشف كل أسرار البحر، إلا أن ما كشف منها يساعد في تعديل روايات تاريخية وموروثات شعبية، منها أن الينابيع العذبة في البحر ليست عذبة!