الآنَ أتَذَكَّر: ما أكثرَ ما قُلنا: «صباحُ الخير...»!
ما أكثرَ ما ابتسمْنا، وتَصافَحنا، وتَواعَدنا في الحاناتِ والمقاهي وعلى أبوابِ الكباريهات والمقابر!

ما أكثرَ ما تَعانَقنا، وتَعاتَبنا، وضحكنا، وتَهادَينا الكتبَ والأمنيات،
وقَدَّمنا التعازي، ولَعَنّا البشاعةَ والقسوةَ وسوءَ الحظّ, وتَبادَلنا النَمائم،
وشرِبنا أنخابَ الصداقةِ، متَحَصِّنينَ (كلٌّ حسبَ عقيدتِهِ ونزواتِهِ) بكلمةِ: «الأبد...»!
ما أكثرَ ما...!
لكنْ، ياهْ!... الآنَ أتَذكّر.
الآنَ، بعدَ أنْ أَفْلَتَ العمرُ، أَتَذَكّر:
ما أكثرهم
أولئك الذين لَـمْ أَزُر لهم بيتاً...
لم أُصافِح زوجةً (أصافحُ مَن لا أعرفُهُ ولم ألتقِ به؟)...
لم أُداعِبْ طفلاً...
ولَـمْ (حين يُفتَرَضُ أنْ يُفتَحَ البابُ بعدَ أوّلِ قرعةِ جرس.../ وأصلاً: هل أعرفُ البابَ لأعرفَ موقعَ الجرس؟) لم يَشهقْ صبيٌّ أو بِنت: «عمّو نزيه!»...
الآنَ، الآن، بعدَ «خمسينَ» صداقةً، وخمسين أملاً، وخمسين قحطاً، وخمسينَ قَسَماً، وخمسين خدعةً، وخمسين خمسينَ «صباح خير»، و«ألفٍ وألْفِـينَ» عناقاً و«أبداً»، و... و: حياةٍ كاملةْ
الآنَ أُفيقُ وأتَذكّرُ وأتساءلُ:
مَنْ كان هؤلاء الذين «أصدقائي»؟
مَن كانَ «هؤلاء»... هؤلاء الذين «لا يزالون»؟...
الآنَ أتَذَكّرُ وأقول: «شكراً على كلِ ما أُهدِيتُهُ مِنَ القُبلِ والابتسامات!».
الآنَ أتَذكّرُ وأَغفرُ وأقول: تلك كانت «حياتي».
الآنَ... الآنَ في هذه اللحظة
أتَذكّرُ وأقول: «ما أَغناني!».
18/1/2017