تدور قريباً عجلة إصلاح ساعة باب الفرج التاريخيّة الشهيرة في حلب. الساعة التي تحظى برمزيّة خاصة تنافس أشهر معالم المدينة، تتموضع وسط مدينة حلب، مقابلةً لمبنى دار الكتب الوطنية. خرجت الساعة من الحرب بلا أضرار مباشرة، لكنّها احتفظت بأعطال أقدم من عمر الحرب كانت قد أوقفتها عن العمل. آخر عملية إصلاح عرفتها كانت قبل قرابة عشرة أعوام، تزامناً مع احتفالات «حلب عاصمة الثقافة الإسلاميّة». غير أن النتيجة كانت حينها دوران العقارب فترة قصيرة قبل أن تعاود التوقّف، ولم تنجح عملية الإصلاح حينها في إعادة قرع أجراس الساعة الفريدة.
أخيراً، حصلت «مبادرة أهالي» على الموافقات الرسميّة المطلوبة للبدء بعمليّة إصلاح جديدة يُفترض أن تنطلق في خلال الأيام القليلة القادمة، و«بدعم كبير من محافظ حلب لتذليل العقبات»، وفقاً لمصادر المبادرة. عملية الإصلاح سيتصدى لها مهندس حلبي هو أحمد أنيس، الذي تبرّع بالقيام بكل ما تتطلبه العملية من «جهد بشري، وقطع تبديل، وتحمّل كامل المصاريف والنفقات»، وصولاً إلى «إعادتها إلى العمل كما كانت عليه في حالتها الأساسية، من انتظام في العمل ورنين دوري للأجراس والنغمات»، علاوة على «متابعتها وإجراء كشوفات دورية عليها والتكفل باستمرار عملها لمدة عشر سنوات من تاريخ إنجاز الصيانة». ويقول المحامي الباحث علاء السيد لـ«الأخبار» إنّ «للساعة أجراساً ونغمات فريدة، وكانت سابقاً تعمل بانتظام حيث تقرع الأجراس على رأس كل ساعة، وتصدر أنغاماً كلّ ربع ساعة».
يعود بناء برج الساعة الحجري إلى عام 1898 بتكلفة بلغت حينها ألفاً وخمسمئة ليرة ذهبيّة، أما الآلة الميكانيكية فهي إنكليزيّة الصنع من ماركة j w benson الشهيرة. ويوضح السيّد أنّه «بنتيجة البحث تبيّن أنّ لساعة باب الفرج ساعة توأماً موجودة في كنيسة أثرية بإنكلترا، وقد تعطّلت ساعة الإنكليز كما تعطّلت ساعتنا». وطوال سنتين بحثت جمعية أصدقاء الكنيسة الأثرية عن شركة تتقن تصليح الساعة الأثرية (من 2014 حتى 2016) لتهتدي إلى شركة متخصصة (الشركة التي تشرف على ساعة بيغ بن الشهيرة) وأفلحت في إجراء الصيانة اللازمة على امتداد ثمانية أشهر. يبتسم المهندس الحلبي أحمد أنيس بثقة ويقول «الإنكليز صلّحوها بـ8 أشهر، أنا رح صلحها بـ3 أشهر». يشير أنيس، المقيم منذ سنوات في اللاذقية، لـ«الأخبار» إلى أنّ «إصلاح ساعة باب الفرج تحديداً هو هاجس تملّكني منذ سنوات طويلة، ويبدو أن الفرصة قد سنحت اليوم». للشاب خبرة طويلة في عالم الساعات (الكبيرة منها على وجه الخصوص) رغم سنوات عمره القليلة قياساً بما يتطلبه تحصيل خبرات من هذا النوع (35 عاماً). يضحك وهو يروي ذكريات تعود إلى عشرين عاماً خلت: «كان عمري أقل من 18 سنة وطلبتني جهة من الجهات في حلب لتصليح ساعة كبيرة ومعقّدة بعد أن سمعوا عني. وعندما ذهبت إلى القائمين عليها فوجئوا بصغر سني وضحكوا واعتذروا عن إسناد العمل إليّ». يتحدث أنيس عن بعض الأعمال التي قام بها في مجال الساعات العملاقة قبل الحرب، لا سيما صيانة ساعة محطة الحجاز في دمشق عام 2008 بالتعاون مع المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، وهي وفقاً لأنيس «ساعة مركزية فريدة ترتبط بها ساعات صغيرة متوزعة على كل محطات خط الحجاز الحديدي، بحيث تتطابق حركة الساعات بدقة متناهية». (في سجل الشاب أيضاً صيانة ساعة دير السيدة في منطقة صيدنايا في ريف دمشق عام 2008 بالتعاون مع مطرانية الروم الأرثوذكس، وصيانة ساعات وآلات متحف القدم في ريف دمشق بالتعاون مع المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي عام 2008، وصيانة ساعة مدينة سلقين عام 2007 بالتعاون مع البلدية. صناعة وتركيب ساعة في مدينة التل بريف دمشق بالتعاون مع مجلس مدينة التل عام 2008. وصيانة ساعة محطة قطار حلب بالتعاون مع مؤسسة الخطوط الحديدية السورية). يبدو المهندس واثقاً بقدرته على إنجاز عملية الصيانة في فترة أقصاها ثلاثة أشهر، وفقاً لما تعهّد به في الكتاب الذي وجهه إلى محافظ حلب عبر «مبادرة أهالي». وستشرف الأخيرة على تسهيل عمله عبر تسلّمها الساعة بموجب محضر رسمي، ثم تسليمها إلى المهندس وبإشراف من مديرية الآثار في حلب التي كلّفت المهندسة رشا مصري للإشراف على العمل (كون الساعة معلماً مسجّلاً).