الرباط | بعد رحيل أحمد وهبي سنة 1993، التحق به أول من أمس رفيقه بْلاوي هواري (1926 ــ 2017) بعد تدهور حالته الصحية. يعتبر الاثنان معاً رائدين للأغنية الوهرانية، أو ما يطلق عليه عموماً الأغنية العصرية في الجزائر. وإن كان وهبي قد تأثر بشكل لافت بالغناء المشرقي الكلاسيكي، فإن هواري ظل على العكس منه متشبثاً بالتراث المحلي وإيقاعاته، وكان مسعاه التجديدي مبنياً على التفاعل مع الموروث الداخلي أكثر من تقاطعه مع الألوان الغنائية السائدة في العالم العربي.
ويحسب لهواري أنه أول من لحن المقطوعات الموسيقية في تاريخ الجزائر، ومؤسس الأغنية الملحمية في بلاده خلال أربعينيات القرن الماضي. كما أن عدد الأغاني التي قام بتلحينها فاق 500 قطعة، أدّاها بنفسه، أو أعدّها لفنانين آخرين، خصوصاً من الأجيال اللاحقة لجيله. وتتوزع مواضيع أغانيه بين ما هو اجتماعي ووجداني وإنساني، إضافة إلى المديح، وما كان يسمى بـ «الأغاني الوطنية». كان الراحل يتميز بصوت هادئ وموسيقى خفيفة تترك للمستمع فرصة التقاط الكلمات وتأملها، فقد كان له ميل واضح إلى النصوص التي تحفل بالحكمة والكلمات التي يمكن اعتبارها رسائل موجهة.

أغنياته شكّلت قاعدة لانطلاق لون آخر سيحظى بشهرة كبيرة، هو فن الراي



نشأ هواري في أسرة تهوى الفن، فوالده وأخوه كانا عازفين على بعض الآلات الوترية كالبانجو والماندولين والكويترا. لكن الفن في ذلك الزمن الجزائري، لم يكن مصدر ثراء بالنسبة إلى أهله. لذلك، كان يشتغل رفقة والده في المقهى. انضم في طفولته إلى فرقة الكشافة الفنية التي أسسها الشهيد محمد بوراس إبان اندلاع الحرب العالمية الثانية، وكانت انطلاقته تقريباً مع بداية الأربعينيات كمطرب في الأعراس والحفلات العائلية، حيث يؤدي عدداً من الأغاني البدوية المعروفة، فضلاً عن قصائد الملحون، إضافة إلى ترديده لبعض الأغاني الفرنسية في مناسبات مختلفة. لكن في سنة 1943، أسس فرقة موسيقية عصرية برفقة أخيه وصديق له. منذ تلك الفترة، راهن على الانتقال بالأغنية الجزائرية إلى مرحلة جديدة، تتماهى مع تحولات الفن المعاصر، من دون أن تقطع مع التراث الموسيقي الجزائري الذي ينهل من الثقافة الأمازيغية والإفريقية والتراث الأندلسي.
ستكون أغاني بلاوي هواري قاعدة لانطلاق لون غنائي آخر سيحظى بشهرة كبيرة، هو فن الراي. وفي هذا الصدد، يشار إلى أن الشاب خالد والشاب مامي أعادا الاشتغال الموسيقي على عدد من أغاني هواري. فأغنية «بختة» التي اشتهر بها الشاب خالد عالمياً، لا يعرف سوى قلة من جمهور الفن الجزائري أنها في الأصل لبلاوي هواري. ولا يقتصر الأمر على خالد ومامي، فالكثير من مطربي الراي خلال مرحلة الثمانينيات والتسعينيات نهلوا بشكل لافت من موسيقى وألحان صاحب «ضاق بي المر».
أشرف هواري خلال الأربعينيات على إدارة جوقة الأوبرا في وهران، وشغل في الستينيات منصب مدير للإذاعة المحلية في المدينة ذاتها، وبعدها مدير المسرح الوطني في الجزائر العاصمة، وكان ممثلاً للأغنية الجزائرية المعاصرة في العديد من التظاهرات الكبرى خارج البلاد.
على حسابه على انستغرام، كان الشاب خالد من أوائل المعزّين، إذ نشر أول من أمس نبأ نعياً لصاحب أغنية «جار عليّ الهمّ» التي يقول في مطلعها: «راني من فقدهم في حالة نبكي»، واصفاً إياه بـ «أيقونة الطرب الجزائري».