منذ أشهر اقترح مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غايتس فرض ضريبة على الروبوتات تماماً مثل الضريبة على العمال، فالروبوتات العاملة يجب أن تدفع ضرائب على الدخل، الضمان الاجتماعي وغيرها من التقديمات تماماً مثل البشر.
قبل اقتراح بيل غايتس، الذي لاقى ضجة كبيرة، كان هناك تقرير وتوصيات قدمتها عضو في لجنة الشؤون القانونية في البرلمان الأوروبي مادي ديلفو عام 2016، وورد فيها أنه "قد تكون هناك حاجة إلى استحداث متطلبات إبلاغ الشركات عن مدى ونسبة مساهمة الروبوتات والذكاء الاصطناعي في النتائج الاقتصادية لشركة ما لأغراض الاشتراكات الضريبية والضمان الاجتماعي". كذلك كتب بروفيسور علم الاقتصاد في جامعة "يال" روبرت شيلر، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2013، في موقع "Project Syndicate"، أن "مناقشة ضريبة الروبوت يجب أن تنظر في البديل الذي يتعين التعامل معه في ظلّ تزايد عدم المساواة الناتجة عن اعتماد الروبوتات، وسيكون من الطبيعي النظر في فرض ضريبة دخل أكثر تقدماً، إلا أن هذه الطروحات لا تلقى الدعم المطلوب".

على الضرائب أن تموّل خطة
لإدارة تبعات ثورة الروبوتات

الروبوتات، بما تشمله من اختراعات وتقنيات وبرامج وتطبيقات متطورة، ستزيد من اللامساواة في العالم وستساهم في رفع أرباح قلّة من الناس. لكن مهلاً، المسألة الحقيقية تكمن في مكان آخر وقد أحسن التعبير عنها الفيزيائي ستيفن هوكنغ: يجب أن نخاف حقاً من الرأسمالية، وليس الروبوتات. فقد أعلن هوكنغ عام 2015 أنه "إذا كانت الآلات تنتج كل ما نحتاج إليه، فإن النتيجة تعتمد على كيفية توزيع الأشياء. يمكن للجميع التمتع بحياة رفاهية فاخرة إذا كانت الثروة التي تنتجها الآلات موزعة، أو أن معظم الناس يمكن أن ينتهي بهم المطاف فقراء بشكل فادح، إذا نجح أصحاب الآلات بالضغط ضد إعادة توزيع الثروة. وحتى الآن، يبدو أن الأمور تتجه نحو الخيار الثاني، حيث ستؤدي التكنولوجيا إلى تزايد عدم المساواة".
إذاً، بات موضوع فرض الضرائب على الروبوتات نقاشاً جدياً على المستوى العالمي للتخفيف من اللامساواة التي ستتسع مع ثورة الروبوتات، والتي بدأت بالفعل باستبدال العمال. فقد أعلنت أكبر شركة لإدارة المال في العالم، بلاك روك، نهاية آذار الفائت استعدادها لإجراء إصلاح كامل لنظمها الحالية للتركيز على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين خدماتها، بحيث سيتم تسريح 13% من مديري الأوراق التجارية لديها. وقد نقل موقع Futurism أن الغرض من إعادة التنظيم هو التركيز بشكل أكبر على خوارزميات الحاسوب التي يمكن أن تفيد الاستثمارات. وبكل بساطة، يتساءل المستثمرون الآن عما إذا كان وجود أشخاص لإدارة أموالهم يستحق الرسوم التي يدفعونها، خاصة أن إدارة الأموال الناجحة ترتكز أساساً إلى الاعتراف بمؤشرات سوق معينة ومتابعة ذلك، أي نوع من الذكاء الاصطناعي الذي يمكن برمجته للقيام بهذا الأمر.
هكذا، لمواجهة المشاكل التي ستنشأ حتماً عن خسارة الناس لوظائفهم، برز تيار يدعو إلى فرض ضرائب على الروبوتات بما يمكن أن يبطئ عملية اجتياح الروبوتات للوظائف ولو بشكل مؤقت، ويؤمن عائدات، كما يقول شيلر، لوضع برامج متخصصة بإعادة تدريب الناس المستبدلين باعتبار أن العمل مهم لحياة الإنسان ليس فقط على الصعيد المادي إنما النفسي أيضاً، وبالتالي على الضرائب أن تموّل خطة لإدارة تبعات ثورة الروبوتات. يقترح شيلر إعادة صياغة الضرائب بما يعالج ازدياد عدم المساواة الناتج عن ثورة الروبوتات، إذ يرى أنه قد يكون مقبولاً أكثر لمعظم الناس أن "يتم فرض ضريبة على الروبوتات عوض فرضها على ذوي الدخل المرتفع. وعلى الرغم من أن هذا الأمر لن يظهر على أنه فرض ضرائب على "نجاح الأفراد" مثلما تظهر ضرائب الدخل، فهو قد ينطوي في الواقع على ضرائب أعلى نوعاً ما على المداخيل المرتفعة، في حال تحققت هذه المداخيل المرتفعة من أنشطة تنطوي على استبدال البشر بالروبوتات".
في المقابل يركز الذين يقفون ضد الضرائب على "التباس" مفهوم الروبوتات: ما الذي يمكن تصنيفه كروبوت؟ إضافة إلى التشديد على الإنتاجية والنمو الاقتصادي الذي ستحققه الروبوتات. يرى هؤلاء أن ضرائب الروبوتات سوف تبطئ التقدم، وفي نهاية المطاف ستجعل معظمنا أكثر فقراً مما كنا عليه. في رد مجلة "The Economist" على طرح بيل غايتس تقول إنه "قد يعاني عمال معينون من خسارة وظائفهم من قبل الروبوتات، ولكن العمال ككل قد يكونون أفضل حالاً بسبب انخفاض الأسعار. إن تباطؤ نشر الروبوتات في مجال الرعاية الصحية وجمع البشر في مثل هذه الوظائف قد يبدو وسيلة مفيدة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، ولكن إذا كان ذلك يعني أن تكاليف الرعاية الصحية تتزايد بسرعة، وستؤخذ هذه الأرباح من مداخيل العمال، فإن الانتصار في هذه الحالة باهظ الثمن".
إن تصوير النقاش القائم، من قبل الرأسماليين، على أنه وقوف ضد التقدّم والتطور وفق الحجج التي يسوّقونها هو محاولة لتشتيت جوهر القضية. فالجميع مع التكنولوجيا والتقدم العلمي، إنما التكنولوجيا في ظلّ النظام الرأسمالي ستؤدي إلى زيادة تركيز الثروة في يد قلّة من الرأسماليين وستزيد من مأساة الناس، وهنا نعود إلى هوكينغ: الخطر يكمن في الرأسمالية... لا الروبوتات.