تتواصل الشكاوى على البلديات اللبنانيّة التي تتجاوز حدّ السلطة الممنوحة لها، عبر اتخاذها تدابير وقرارات في نطاقها الإداري تتعارض مع الدستور والقوانين المرعية وحقوق الإنسان، في تعاملها مع السوريين، وقد وصلت هذه الوصمة إلى بلدية «غلبون» (قضاء جبيل) المُتهمة بفرض أعمال السخرة على المقيمين السوريين في البلدة، مقابل السماح لهم بالبقاء فيها، وإلّا فعليهم دفع رسوم بديلة.
يفيد المحامي نعيم شاهين بأن «البلدية، بموجب قرار بلدي، تفرض على العاملين السوريين الموجودين في البلدة، تنفيذ بعض الأشغال البلديّة والزراعيّة مجاناً وبالإكراه، وهو إجراء يتكرّر كلّ يوم أحد منذ ثلاثة أسابيع، وذلك تحت طائلة طردهم من البلدة»، وهو ما يؤكّده أيضاً عدد من أهالي البلدة عن أن هناك «مجموعة من الأعمال البلديّة التي ستمتدّ لنحو ستة أسابيع، ومفروض على السوريين تنفيذها أو دفع 25 دولاراً».
هذه الاتهامات يضعها رئيس بلديّة غلبون إيلي جبرايل، في إطار تصفية الحسابات الانتخابيّة، لأن من «أطلقها هم الخاسرون في الانتخابات السابقة، والمنزعجون من الإنجازات التي نقوم بها»، ويتابع جبرايل: «في البلدة هناك نحو 35 عاملاً سورياً يقيمون فيها مع عائلاتهم منذ أكثر من 20 عاماً، وهم باتوا يشكّلون جزءاً من نسيجها الاجتماعي. كذلك فإن البلديّة لديها خطّة استراتيجيّة ومستدامة لتطوير الإنسان والطبيعة، وهي من البلديات القليلة المجاورة التي لم تفرض أي ضوابط أو شروط على الأخوة السوريين المقيمين فيها، كمنع التجوال وغيره من القرارات التمييزيّة». ويبرّر جبرايل الأعمال التي يقوم بها السوريون بأنها «أعمال عونة، تطوّعوا للقيام بها مع مجموعة من شباب البلدة بعد المهرجانات التي أقيمت أخيراً، وهي عبارة عن بناء بلوكات للورد في إحدى الطرقات، وتالياً لا يوجد أي قرار بلدي متخذ في هذا الشأن، لأن قراراتنا هي عدم المسّ بحقوق أي إنسان».
التناقض في الروايتين، يعيده شاهين إلى «محاولة البلديّة ضبضبة الموضوع بعد شيوعه إعلامياً، إذ ضغطت على السوريين لتغيير أقوالهم، علماً أننا بصدد تقديم دعوى إن لم تتحرّك وزارة الداخليّة والأجهزة القضائيّة لإحالة رئيس البلديّة على التأديب».
هذا التناقض هو موضوع تحقيق في وزارة الداخليّة والبلديّات، خصوصاً أن ثبوت الرواية الأولى ينطوي على مخالفات لقانون العمل اللبناني وقانون العمل الدولي وشرعة حقوق الإنسان التي تحرّم العمل الإكراهي المجاني. ترفض مصادر وزارة الداخليّة «الكشف عن سير التحقيقات حفاظاً على سرّيتها»، مشيرة إلى أن التعاطي مع أي تجاوز للقانون في موضوع اللاجئين السوريين، سيكون منسجماً مع قرار الوزير الذي عبّر عنه منذ أيام عندما «حذّر عدداً من رؤساء البلديات في جبل لبنان من إحالتهم على الهيئة العليا للتأديب بعد ورود معلومات أكيدة عن إقدام عدد منهم على استيفاء رسوم غير قانونيّة من السوريين وحجز أوراقهم الثبوتيّة، موجّهاً كتاباً إلى محافظ جبل لبنان لتعميم القرار على البلديات تحت طائلة اتخاذ تدابير وعقوبات بحق رؤساء البلديات أسوة بمن أحيلوا على الهيئة العليا للتأديب».