لم يكُن لقاء «مجموعة الـ 20» في بيت الوسط، أخيراً، الأول الذي يفتَح فيه نواب وشخصيات في تيار «المستقبل» أو يدورون في فلكه جدلاً سياسياً حول خيارات الرئيس سعد الحريري. لكنها المرة الأولى، منذ تسوية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، التي يسمع فيها الحريري انتقادات مباشرة، وبلا قفازات، داخل منزله، ومن شخصيات تدور في فلك تياره؛ أبرزها الرئيس فؤاد السنيورة («مجموعة العشرين» تجتمِع سرّاً في بيت الوسط: عتاب وتنبيه للحريري/ الأخبار العدد ٣٢٢١ الثلاثاء ١١ تموز ٢٠١٧).
نشر «الأخبار» معلومات عن اللقاء الذي عُقِد قبل نحو أسبوعين أثار جدلاً كثيراً في أوساط تيار المستقبل. لا تنفي مصادر المجتمعين ما نُشر، لكنها توضّح بعض النقاط «للإنصاف ولوضع الأمور في نصابها الصحيح» كما قالت. وتوضح: «أولاً، اللقاء لم يكُن الأول من نوعه. هو دائم الانعقاد منذ سبع سنوات حتى إبان غياب الرئيس الحريري عن البلاد»، وبعض من كانوا يحضرونه، توقفوا عن المشاركة فيه لاحقاً مثل الوزير نهاد المشنوق. لكنه، في المرّة الأخيرة، «انعقد بناءً على طلب الحريري نفسه الذي أبلغ أعضاء المجموعة، عبر السنيورة، أنه يُريد الاجتماع بهم في منزله في وادي أبو جميل». ثانياً، «المجتمعون هم أصدقاء الرئيس الحريري ومن المؤيدين له. ولا يملك أي منهم مشروعاً سياسياً مُستقلاً. لكنهم يفكرون ويناقشون، ولا يتبلغون التعليمات وينفذونها بصمت». ثالثاً، «نحن نعتمد مبدأ التشاور مع الرئيس، لأنه أقبل على عدد من الخيارات المفاجئة التي تقتضي التفسير، ولا بدّ من شرحها وتبريرها لجمهور تيار المستقبل الذي لم يبلَع حتى الآن ترشيح الوزير سليمان فرنجية للرئاسة سابقاً، ومن ثمّ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً».
لم تخف المصادر أن «مرارة» شابت حديث الحريري إلى المجموعة، عبّر عنها بقوله «أنا الوحيد الذي أتعرّض لانتقادات وهجوم من داخل التيار، وهو ما لا يحصل في أي تيار آخر. وهذا يرتدّ سلباً على صورتي وصورة المستقبل بشكل عام». وسأل: «هل هناك تيار آخر يفعل فيه أحد المسؤولين ما فعله الرئيس السنيورة عندما هاجمني أمام وسائل الإعلام من حديقة منزلي؟». وفيما لم يجب السنيورة بأي كلمة، علّق الوزير السابق رشيد درباس قائلاً: «هذه نقطة تُحسب لك، لا عليك. وهذا دليل على تقبّلك للانتقاد وديموقراطيتك».
ونقلت المصادر عن الحريري قوله: «أنتم تتحدثون عن وضع الطائفة السنية في البلد، وتنظرون الى النصف الفارغ من الكأس. انظروا إلى أوضاع السنّة في المنطقة، وستدركون أن وضعنا أفضل من الجميع». وأضاف «كل السبل المتاحة جُرّبت. دول مركزية وتاريخية تنهار من حولنا. لذا كان لزاماً عليّ تقديم تنازلات جوهرية لا يريد أحد تقديمها»، مكرراً التبريرات التي أدت به إلى قبول التسوية والتنازل في عدد من الملفات، كما حصل في ملف قانون الانتخابات: «بين كتلتي النيابية والبلد، اخترت مصلحة البلد».
وفيما عبّر بعض الحاضرين، كمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، عن التأييد لكل خطوات الحريري، كان رئيس تحرير صحيفة «اللواء» صلاح سلام الأعلى سقفاً في الحديث عن «إحباط جمهور تيار المستقبل» في الاجتماع الذي كان بين الحاضرين فيه أيضاً عمر مسقاوي وفاروق جابر ورضوان السيد وخالد شبارو. ولدى التطرق إلى «التعامل مع حزب الله في الحكومة»، كان الحريري جازماً: «أنا أختلف مع الحزب في أمر السلاح والحرب في سوريا. لكن أداء وزرائه في الحكومة جيد ولا تشوبه شائبة. كما أنهم دائماً ما يعملون على ترطيب الأجواء في أي جلسة».
بدوره، قال الوزير درباس لـ«الأخبار» إن «الحاضرين أقروا بأن التسوية أصبحت أمراً واقعاً. لكن الاعتراض هو على ما يليها، وخصوصاً أن الرئيس الحريري ملتزم بالاتفاق مع التيار الوطني الحرّ، في حين أن الطرف الآخر غير ملتزم به». وأشار درباس إلى «أننا نقلنا الى الحريري هذه الشكوى»، وأن «الحاضرين تحدثوا من منطلق الحرص والمحبة له، علماً بأننا لسنا من دائرته المقربة ولا هيئته الاستشارية». ورأى أن «من يفكّر في تبريرات الحريري يراها منطقية إلى حدّ ما، لكن النتائج أتت سيئة».
في المقابل، رأت مصادر «مستقبلية» أن «اجتماعاً بهذا الحجم تحضره شخصيات ذات ثقل لتشكو من أداء الرئيس الحريري، إلى حدّ اتهامه بالخروج عن المسلّمات والثوابت، ليس أمراً عابراً»، وخصوصاً أن التحذير تطرق إلى «تراجع دوره وسقوط تأثيره داخل البيئة السنية». وفيما لفتت الى أن خطوة كهذه، ديموقراطية في الشكل، لكنها «إشارة الى أن هناك من هو مستعدّ للخروج عن إرادة الرئيس الحريري، ووجود قابلية لديها للانشقاق». واعتبرت أن ما حصل «ينذر بانهيارات داخل التيار، وهو رسالة سلبية الى الشارع السني بأن هناك صقوراً حريصون على التيار أكثر من الحريري نفسه»!