ضمن هذا الإطار، نقدم هنا كتاب «عن اليهود- العرب وفلسطين وتهجيرات أخرى» ( On the Arab-Jew, Palestine, and Other Displacements ـــ بلوتو ــ 2017) الذي يحوي كتابات «اليهودية العراقية» إيلا شوحِط في مختلف المجالات صدر معظمها في فترة تمتد على عقود، مع أنّ بعضها لم ينشر من قبل. علماً أنّ الكاتبة معروفة بنضالاتها المعادية للصهيونية ومن أجل مستقبل ديمقراطي حقيقي في فلسطين.إيلا شوحِط تقول إنّ اهتمامها الرئيس في هذا المؤلف هو مسألة التطهير العرقي الذي مارسه الصهاينة بحق الفلسطينيين ومسألة نقل اليهود - العرب من بلدانهم إلى الكيان الصهيوني. تؤكد الكاتبة في هذا المقام أنه رغم ارتباط الترحيلين ببعضهما، إلا أنهما متميزان. هما ليسا متساويين ولا متماثلين ولا متطابقين، لكنهما في الوقت نفسه مرتبطان كنائياً (metonymically).

المقصود هنا، دوماً وفق الكاتبة، لقد وجد يهود - عرب في فلسطين قبل تقسيمها، وهم اليهود - الفلسطينيون، الذين تأثروا بالصهيونية (بالمناسبة كيان العدو ولغته لا يحويان أي تعريف لهم. المفردة «العبرية» مزراحيم تعني اليهود - العرب لا اليهود الفلسطينيين). وهي تلاحظ أن طرد الصهاينة الفلسطينيين من بلادهم وإعادة إسكان اليهود العرب في فلسطين ــ رغم اختلاف الحدثين ـــ متلازمان، إذ تما في الفترة نفسها تقريباً لأن كلاهما نتاج تقسيم فلسطين (أو تقاسمها بين أنظمة سايكس-بيكو). النتيجة هي أن اليهود - العرب تم إسكانهم في موطن الفلسطينيين المطرودين من وطنهم، والأخيرون ألقي بهم في مخيمات اللجوء.

لقد وجدوا في فلسطين قبل تقسيمها، وتأثروا بالصهيونية

تلاحظ الكاتبة أن تشتيت (diasporization) الفلسطينيين ارتبط بتشتيت/ جمع اليهود العرب في فلسطين، بالتعاون مع الزعامات العربية الانتهازية التي أفادت من عملية النقل هذه.
أحداث فلسطين وتقسيمها (أو تقاسمها) أثرا ــ وفق الكاتبة ــ في المشهد العام حيث تمت إعادة تعريف اليهودية (Jewishness) كونها رابطة قومية، وحلت محل التعريف الديني.
تناولت الكاتبة مسألتين في هذا المؤلف مركزيتين مرتبطتين مجازياً هما السلب (dispossession) والرحيل (departure). التحدي الذي واجه البحاثة، هو مقارنة الحدثين لكن من دون مساواتهما ببعضهما.
المشكلة التي واجهت اليهود - العرب في داخل كيان العدو، كمنت في أن الفلسطينيين نظروا إليهم على نحو ارتيابي، مما ساعد في الاستقطاب، وأسهم أيضاً في دمجهم بالجهاز الأمني والمؤسسة الإسرائيليين.
تقول الكاتبة إنّ البحث في موضوعات المؤلف يعكس البحث عن إطار تخيلي بديل «للشرق الأوسط»، والمعترضين يرد في النص الإنكليزي الأصلي. انطلاقاً من هذا البحث، فإن هذا المؤلف يخل بتوازن الأطر الثقافية والجغرافية والتاريخية الانشطارية التي لازمت «عربي - ضد - يهودي»، و«شرق- ضد - غرب».
تلك بعض الأسس النظرية الفلسفية التي انطلقت منها الكاتبة لتبحث في هوية العرب - اليهود وعلاقتهم بأصولهم وكذلك بالفلسطينيين.
قسمت الكاتبة عملها إلى أربعة أجزاء تحوي 31 موضوعاً على النحو الآتي:
المقدمة، يليها الجزء الأول «مسألة العرب - اليهود» الذي يحوي ستة فصول هي: «السفارديم في إسرائيل والصهيونية من منظور ضحاياها من اليهود»، «هويات مُزاحة: تأملات يهودي عربي»، «كسر الصمت»، «الأنثوية المزراحية وسياسات الجندر والعنصر والثقافة التعددية»، «اختراع المزراحيم»، وأخيراً «تذكر بغداد وغيرها - خريطة عاطفية».
الجزء الثاني «بين فلسطين وإسرائيل» ضمّ الفصول التالية: «مشكلة حنة (مع رتشرد برتن)»، «دفاعاً عن مردخاي فانونو/ شذوذ القومي: تمثيل إسرائيل/فلسطين»، «الأراضي بصفتها تخيلاً قومياً (عصبياً): تفحص الانتفاضة»، «المنفي والشتات والعودة: نقوش الخطاب الفلسطيني والإسرائيلي»، «أبجدية انتزاع المِلكِيَّة»، «عن السينما الإسرائيلية: شرق/غرب وسياسات التمثيل»، «في ذكرى إدوارد سعيد المثقف المضاد للرصاص»، «رحلة إلى طليطلة: ربع قرن بعد لقاء يهود المشرق والفلسطينيين».
أما الجزء الثالث «سياسات الثقافة في الشرق الأوسط»، فقد ضم فصول: «مصر: السينما والثورة»، «حرب الميديا»، «مهرجان قرطاج للسينما»، «سينما الاقتلاع - الجندر والأمة والشتات»، «تأملات حول 11 أيلول»، «معاداة الأميركيين: الشرق الأوسط»، «حاشية لمؤلف فرنتس فانون «المعذبون في الأرض»»، «دراسات على هوامش الشرق الأوسط: مكان كتاب إدورد سعيد
«الاستشراق»».
وأخيراً، ضمّ الجزء الرابع «مسلمون، يهود وقراءات التشتت» سبع دراسات أولها: «إعادة النظر في اليهود والمسلمين: تأملات ربع قرن»، «المجيء إلى أميركا: تأملات حول الشعر وفقدان الذاكرة»، «تأملات شتاتية: بين بابل ومملكة بابل». «عرب يهود، الشتات وأنسوية متعددة الثقافات»، «أنس بغداد: عرب ويهود - الرابطة العراقية»، «أجساد وحدود»، وأخيراً «لا تخنق التاريخ - تأملات حول دار الصلح».