بعد مضيّ قرابة شهر على الأزمة الخليجية، يلوح في الأفق تجدّد الصراع بين أدوات كل من السعودية والإمارات في جنوب اليمن. فجر أمس، عاد إلى عدن رئيس المجلس الانتقالي ونائبه والعديد من الأعضاء للإعداد لـ«الفعالية الشعبية» التي دعا المجلس إلى تنظيمها في السابع من الشهر الجاري. وسبق عودة قيادات المجلس الانتقالي وقوع اشتباك سياسي وإعلامي بين طرف «الشرعية» المدعوم من السعودية، والجانب المدعوم من الإمارات.
وينذر تطور الأحداث في الجنوب اليمني بانتقال الصراع السياسي بين الطرفين المحسوبين على الرياض وأبو ظبي ليأخذ أشكالاً عنفية واسعة النطاق.
وبعد صمت دام أسابيع بفعل الأزمة الخليجية، خرج هذا الصراع الى العلن، وجديده ما حذر منه رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، من اقتتال جنوبي ــ جنوبي في عدن، في مقال نُشر أمس. وأضاف بن دغر أنه جراء العداوة والبغضاء والكراهية التي بُعثت من جديد، وبصورة أبشع، فإنّ الصراع على النفوذ في عدن يمضي نحو الذورة، في إشارة الى التحدي التي تقوم به الأطراف الجنوبية المحسوبة على الإمارات. واتهم بن دغر خصومه في القوى المحسوبة على الإمارات بتغذية الصراع على النفوذ في عدن، وأيضاً بالاستئثار وعدم القبول بالشراكة، محمّلاً المجلس الانتقالي، من دون أن يسميه، تبعات السير في هذا الطريق.
وكان محافظ عدن المقال، عيدروس الزبيدي، قد اتهم، في تصريحات صحافية أول من أمس، نائب الرئيس، علي محسن الأحمر، بأنه «يدعم الإرهاب»، في إشارة إلى أنّ السعودية تدعم الإرهاب طالما أنها دعمت الأخير.
ونقلت وكالة سبأ الناطقة باسم «الشرعية»، عن مصدر مسؤول في حكومة بن دغر لم تذكر اسمه، تعبيره عن استهجان وإدانة الاتهامات التي أطلقها الزبيدي ضد قيادات «الحكومة الشرعية»، وذلك غداة تغييرات أطاحت ثلاثة محافظين من أعضاء المجلس الانتقالي الذي شكله في أيار الماضي. وقال المصدر إن الزبيدي، الرجل المقرّب من أبو ظبي، «يمارس نفس وظيفة الانقلابيين (الحوثيين، وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح) في العمل على تشويه صورة الرموز الوطنية، ولا غرابة في ذلك».
إلى ذلك، كشفت مصادر مطّلعة عن وجود اتصالات وصفت بالجادة، تهدف إلى عقد مؤتمر سياسي جنوبي للشخصيات والفعاليات والقيادات الجنوبية، برعاية سعودية، في تحدٍّ واضح للمجلس الانتقالي الجنوبي المحسوب على الإمارات.
وكانت الأزمة الخليجية قد أجبرت الدول المشاركة في العدوان على اليمن (السعودية والامارات) على تخفيف حدّة التنافس في ما بينها على مسك الورقة اليمنية عموماً، والجنوب خصوصاً، فضبطت كل منهما إيقاع الخلافات بينهما، ووجهتا حلفاءهما في الساحة اليمنية نحو التماشي مع ما يخدم الرياض وأبو ظبي في حملتهما السياسية والاعلامية على الدوحة.
وانقسم اليمنيون في مقاربة الأزمة الخليجية جرياً على العادة؛ فالشمال المشهور عن سياسييه الدهاء وبعد النظر، قارب الأزمة الخليجية بما يدفع عنهم كأس العدوان الذي تشنّه الدول الخليجية المتخاصمة.
في صنعاء، تباينت المواقف في مقاربة الأزمة الخليجية؛ ففيما كان الإعلام المقرّب من «أنصارالله» أقرب الى الدوحة من خصميها الرياض وأبو ظبي، رفضاً للحصار الذي تتعرض له، من دون أن تتبنّى الحركة موقفاً رسمياً من ذلك، اتخذ حزب «المؤتمر الشعبي العام» مسافة أبعد من الدوحة، متهماً إياها بالتسبّب في الفوضى والتدخل في الشؤون الداخلية للدول وبتمويلها الربيع العربي منذ عام 2011.

بعد صمت دام أسابيع بفعل الأزمة الخليجية، خرج الصراع إلى العلن

وكان أول انعكاسات الأزمة الخليجية على اليمن قد بدأ بعد أيام قليلة من الأزمة، إثر طلب كلّ من السعودية والإمارات من قطر سحب كتيبتها المتموضعة في جيزان، في مهمة دفاعية عن حدود السعودية، الى بلادها.
ولاحقاً تطور الموقف الى قيام الإعلام القطري، لا سيما الجزيرة، بتسليط الضوء على الانتهاكات التي تقوم بها دولة الإمارات، في ما سمّي قضية الاحتجاز القسري في السجون السرية التي تديرها أبو ظبي في جنوب اليمن. وكانت مصادر مطّلعة قد شكّكت في التوقيت الذي كشفت فيه عن الانتهاكات بحق المحتجزين قسراً، إذ تذكر تلك المصادر أنه مضى على تلك السجون حوالى سنتين، لا سيما أن القضية أثيرت من قبل قيادات جنوبية، ووسائل إعلام محلية، وأهالي المحتجزين، وتمت مراسلة المنظمات الحقوقية مع تقديم وثائق وأدلة تثبت تورط الامارات وأطراف جنوبية حليفة لها، من دون أن تلقى أيّ صدى من الجهات الحقوقية والانسانية والأممية. وكانت كلّ من وكالة «أسوشيتد برس» ومنظمة «هيومن رايتس ووتش» قد نشرت تقارير عن وجود شبكة سجون سرية تديرها الإمارات في اليمن، يخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب في محافظتي عدن وحضرموت من العام الماضي.
في موازاة ذلك، عمد الإعلام القطري الى تغيير سياسته التحريرية في تغطية الحرب على اليمن بخلاف ما كان عليه سابقاً، فانتقل من اعتماد رواية العدوان كاملة نحو تسليط الضوء على الضحايا جرّاء الغارات الجوية السعودية، واستضافة ضيوف يندّدون بتلك الغارات، ويشكّكون في جدوى استمرار الحرب وأهدافها.
أما في الجنوب، فكانت مقاربة الأزمة الخليجية مختلفة تماماً عمّا عليه في الشمال، إذ انخرطت القيادات الجديدة، التي هي بمعظمها صنيعة خليجية، في الحملة على قطر، وحليفها اليمني «حزب الإصلاح» الإخواني. وتماهت تلك القيادات والنخب الجنوبية مع موقف الرياض وأبو ظبي، وشنّت حملات تحريضية حادة على الدوحة و«الإصلاح».