يحدث أحياناً أن تشعر بأنك "فعلتها". في تلك اللحظة، يتملكك شعور بالحرج مما يكون قد تسرّب عن طريق الخطأ. ويحدث أن تشعر بهذا الأمر عندما تقوم بحركات بسيطة في جسدك، كأن تضحك أو تسعل أو تعطس. في هذه الحالات الشائعة، يشخّص الطب ما تعاني منه بـ"سلس البول".
في التعريف المبسّط لتلك الحالة، سلس البول هو مشكلة تتلخص بفقدان السيطرة الإرادية على إفراز البول والذي يحدث عند القيام بحركات مفاجئة أو مجهدة للجسد منها السعال والعطس والضحك أو ممارسة التمارين الرياضية. وفي أحيانٍ أخرى، قد يتسبب سلس البول بنشوء شعور مفاجئ بالحاجة للذهاب إلى الحمام، لكن من دون القدرة على تمالك النفس وضبط البول حتى الوصول إلى هناك. وهذه مشكلة تتمثل في عدم القدرة على التحكم بالمثانة البولية.
لكن، عدا عن كونها مشكلة، هي أيضاً ظاهرة لدى الرجال والنساء على حدٍّ سواء، وإن كانت لدى "الجنس اللطيف" أكثر بروزاً، إذ أظهرت إحصائية قامت بها الجمعية الأميركية لطب المسالك البولية، مؤخراً، أن نصف النساء على الأقل يعانين من مرض السلس البولي في مرحلة ما من العمر. مع ذلك، هناك واحدة فقط من كل خمس مصابات تراجع الطبيب. بعيداً عن كل ذلك، فماذا عن العوارض؟ وعن الأسباب؟ وهل هناك أنواعاً من سلس البول؟ وكيف يمكن تجنب هذه الحالة؟ هل هناك علاجات تؤدي إلى الشفاء التام من هذه الظاهرة المحرجة للكثيرين؟
تتلخص آلية عمل المثانة بتخزين ما يقارب 500 مليليتر من البول حتى يحين الوقت المناسب لإخراجه، بتحكم مباشر لا إرادي من الدماغ والحبل الشوكي، وبتحكم إرادي أيضاً من الشخص ذاته. وعندما تمتلئ المثانة، تحمل الأعصاب الإشارات العصبية وترسلها الى الدماغ الذي بدوره يرد للجهاز العصبي إما بإخراج البول أو زيادة انقباض العضلات لحبس البول. ولكن، إذا حدثت مشكلة بالعصب الذي ينقل الإشارات بين الدماغ والمثانة، تصبح الأخيرة غير قادرة على العمل بكفاءة، وهنا قد تحدث إحدى المشاكل الثلاث: إما النشاط الزائد بالمثانة أو عدم التحكم في العضلة القابضة لها أو احتباس البول فيها. وفي الحالة الأخيرة، يؤدي بقاء البول فترة طويلة داخل المثانة إلى الإصابة بالتهابات الكلية أو المثانة والتي تعد إحدى العوامل الرئيسية لسلس البول. أما الأسباب الأخرى، فتتنوع ما بين تهيج المهبل والإمساك الشديد والآثار الجانبية لبعض الأدوية، منها مثلاً أدوية "diuretics" التي تقوم بنقل السوائل من المناطق المتورمة في الجسم الى المثانة، ومن هنا يحدث تسرب للبول لأن المثانة تمتلئ بسرعة على غير المعتاد. وهناك أيضاً الأدوية المهدئة وتلك الباسطة للعضلات ومضادات الهيستامين والاكتئاب. وهناك الجانب المتعلق بالغذاء وتحديداً الإكثار من تناول مواد الكافيين وبعض المشروبات الغازية كالكولا وبعض الأطعمة كالشوكولا.
أما أكثر أعراض سلس البول وضوحاً، فهو نزول البول بشكل لا إرادي وبدون سيطرة. وإذا كان ناجماً عن حالة من الضغط والتوتر، فمن الممكن نزول كميات قليلة حتى متوسطة من البول عند السعال والعطس والضحك وممارسة تمارين رياضية أو أنشطة مشابهة، وهو ما نسميه سلس البول الإجهادي. أما إذا كان سلس البول ناجماً عن شعور بدافع ملحّ، فقد ينشأ شعور بالحاجة إلى التبول، فيتبين أن الشخص المعني يتوجه إلى المرحاض مرات عدة، وهو ما نسميه بسلس البول الإلحاحي. وهناك سلس البول المختلط، وهو الأقل شيوعاً، والذي يجمع ما بين السلس الإجهادي والإلحاحي. وثمة أنواع أخرى أقل شيوعاً هي الأخرى، منها سلس البول الفيضي والوظيفي.
مع هذه الخلطة من الأنواع، لا بد من السؤال عن العلاج. هنا، يجتمع الأطباء على القول إن غالبية مشاكل التحكم بالمثانة قابلة للمعالجة والشفاء. ويشمل العلاج، في المقام الأول، ممارسة بعض التمارين منها تمارين "كيغل" لتقوية عضلات قاع الحوض. وتشكل هذه إحدى أفضل الطرق لتحقيق التحسن في حالة سلس البول الناجم عن الشعور بالضغط. كذلك استعمال أداة داعمة للمهبل قابلة للإزالة مع الوقت. وتساعد هذه الأداة على التقليل من الضغط في حالة سلس البول الناتج عن الشعور بالضغط، وذلك عن طريق ممارسة ضغط على الحالب، إضافة إلى تناول بعض الأدوية بناء على توصية الطبيب أو إجراء عملية جراحية من أجل توفير الدعم للمثانة، أو إعادتها إلى مكانها. هذه العملية تجرى فقط بعد فشل المحاولات والطرق العلاجية الأخرى.