ما إن ينتهي حفل الزفاف ويدخل الزوجان القفص الذهبي، حتى تبدأ التمنيات بالبنين والبنات مباشرة، والوشوشات والهمسات بالبنين مواربة. «بدنا ولي العهد»، مع هذه العبارة، تبدأ رحلة التوتر والبحث عن حمل بـ«صبي». ينتهي الحمل الأول بأنثى، فتُعزّى النفوس بصحتها الكاملة وبمشيئة الخالق وبحنان البنت لأهلها لاحقاً، ثم تأتي الأنثى الثانية، فتتغير ألوان الوجوه ويدبُّ القلق تجاه ضرورة الحمل الثالث واحتمالاته. «بعد البنتين بيجي الصبي».
«حسابياً، لازم التالت صبي». ينتهي الحمل الثالث بأنثى ثالثة وينتهي معه كثير من الأمور، ليبدأ عند الزوجة شعورٌ بعدم الرضا لعجزها عن منح صبي لزوجها، وعند الزوج إحساسٌ بالنقص والتحضير للقبه الجديد «أبو البنات».
ليس هذا السيناريو بغريب أو مفتعل، بل يتكرر في عدد من العائلات والمجتمعات والدول. ارتبط موضوع تفضيل الصبي بالمجتمعات القبلية والعشائرية والزراعية التي تحكمها عادات روابط الدم وأنماط العيش التي تعتمد على الذكور في حروبها وإنتاجها واقتصادها، كما في رعاية المسنين وإعالتهم في آخر العمر. وقد بدا ذلك جلياً في تقارير منظمة الصحة العالمية التي أظهرت اختلال معدلات المواليد الذكور والإناث، وتفضيل الذكور في عدد من البلدان بينها مصر العربية السعودية والأردن تركيا إيران الجزائر تونس المغرب وسوريا. يُفضي تفضيل الذكور إلى إهمال الإناث وتنامي ظاهرة التمييز ضد البنات وأثر ذلك على صحتهنّ وسلامتهنّ وتعليمهنّ.
لا وجود لمثل تلك المقاييس في البلدان الأوروبية، حيث تتقارب معدلات المواليد حتى التساوي وحيث تزيد أعداد الإناث على الذكور في مراحل الحياة اللاحقة. تؤكد دراسات عديدة على قوة مناعة الأنثى وطول حياتها مقارنة بالذكر إذا ما أعطيت نفس الفرص في الرعاية والحماية والغذاء والتعليم. في أجواء من التمييز تفقد النساء فرصهنّ وحياتهنّ مما يُفسر اختلال النسب بين النساء والرجال في المجتمعات التي تُفضّل الذكور. تسجل تقارير الأمم المتحدة فقدان عشرات آلاف النساء سنوياً في تلك المجتمعات، ناهيك عن التعنيف والتشويه وحالات الإجهاض القائم على جنس الجنين في الهند والصين وغيرها.
لكن من أين نأتي بِالصَّبِي ومن يأتي به؟ غالباً ما تُلام الزوجة على المواليد الإناث، ويُمدح الزوج على المواليد الذكور. تحمل حيوانات الزوج المنوية نوعين من الموروثات المتعلقة بجنس الجنين: «الإكس» أو «الواي» (X,Y) وتحمل بويضة الزوجة الإكس فقط، كما وصفهم العالم الألماني هينكن عام 1891. بعد قذف السائل المنوي داخل المهبل، تتسابق الحيوانات المنوية في ماراتون منهك باتجاه بويضة الزوجة، فإذا ما لقّحت البويضة بالإكس كان لهما أنثى، وإذا ما دخل البويضة الواي كان لهما الذكر. إذن في الحالتين هو الزوج من يحدد جنس الجنين كما تُظهر المعادلة على مبدأ الفيفتي فيفتي. لكن المسألة أكثر تعقيداً من ذلك وتتداخل فيها عوامل مختلفة تتعلق بالنظام الغذائي للزوجة ومستوى المعيشة والصحة والغنى وشجرة العائلة وميل إنجابها للإناث أو الذكور وغيره من العوامل.
تشير دراسة مستفيضة من بريطانيا إلى أن إنجاب الأنثى أو الذكر هو أمر وراثي، فالآباء الذين لديهم أخوة أكثر يأتون بالصبيان، والآباء الذين عندهم أخوات أكثر يأتون بالبنات، وذلك بنِسَب أعلى. لا تنطبق تلك الملاحظة على الأمهات. هنا تتداخل الموروثات باحتمالات ثلاثة مختلفة في السائل المنوي: ارتفاع أعداد الموروثة واي (أي موروثة الصبيان)، أو تساوي موروثة الصبيان والبنات (واي و إكس)، أو ارتفاع موروثة البنات (الإكس)، وعليه وبحسب محتويات ونسب الحيوانات المنوية يتحدد لاحقاً جنس الجنين. إذا ما تم درس مئات من شجر العائلات فقد يُلاحظ ميل داخل تلك العائلات لوجود أرجحية للذكور أو للإناث. 
لن يتوقف الزوجان عن السعي للحصول على مولود ذكر، ولن يوفروا لذلك وسيلة تقليدية بائدة أو تقنية علمية تقوم على اختيار الأجنة الذكور وزرعهم في رحم الزوجة. وستبقى الزوجة تحت عبء إنجاب الذكر بغير وجه حق لخوفها من اللوم أو التهميش أو الطلاق أو التعايش مع "ضُرّة" تُنكد لها حياتها دون ضمانات بإنجاب الذكور. أما الزوج فسيبقى مدفوعاً بعادات المجتمع وتقاليده لمزيد من الإنجاب حتى يأتي الصبي ويأتي معه اكتمال رجولة الزوج واستمرار اسمه وإرثه ومسيرته.
يكثر وجود الأسر ذات النسب المرتفعة من الإناث مقارنة بالذكور وليس العكس، وتكثر معها ممارسات تظلم الفتيات ولا ترفع من مراتب الفتيان إلا بما تُحرم منه الفتيات من عدالة ومساواة. 
وتناضل الفتيات في العلم والعمل والإنجازات لتمحو سمعة أنهن "وجعة راس" و"هم للممات" وأنهن أنصاف ذكور.
يتحدث عالم الاقتصاد والحائز جائزة نوبل، آمارتيا سن عن «الفتيات المفقودات»، عن ملايين الفتيات اللواتي يسقطن ليس فقط جراء «التمييز الحَملي»، بل أيضاً جراء اللاعدالة وتفضيل الفتيان وعدم اقتناع بعض المجتمعات أن لا فضل للذكور على الإناث وأن زمان وأد النساء كرمى ولي العهد قد ولى إلى غير رجعة.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية