يظهر الرحم الاصطناعي، الذي عاشت فيه نعجة صغيرة، على شكل كيس مليء بالسوائل والدماء والأنابيب، لكنّه في الواقع خرق غير مسبوق في مجال تطوير حاضنة طبيعية بديلة عن رحم الأم، وقادرة على تأمين كافة مقوّمات النمو الطبيعي، إذ نجح هذا الاختبار مع ثماني حالات مختلفة.
على مدى أربعة أسابيع، نمت أعضاء النعاج تماماً كنموّها داخل الرحم الطبيعي، بما فيها الأعضاء الأكثر حساسيّة كالدماغ والرئتين إلى جانب نمو صوفها وأطرافها وكافة أعضائها. وما لبثت هذه النعاج الصغيرة أن عاشت وتفتحت أعينها وتعلّمت أولويات الحياة بشكل عادي. أهميّة هذا التطوّر هو أنّه قابل للتطبيق على الأجنّة البشرية التي تولد قبل موعدها بكثير ولا تستطيع استكمال نموّها خارج الرحم فتموت، كما أنّها يمكن أن تؤمن لمواليد الشهر السابع مثلاً استكمال النمو لبعض الوقت قبل الخروج إلى الحياة بكامل تطوّرها. لم تجرِ حتى الآن أية محاولات لتطبيق هذه التقنيّة على أجنّة بشريّة غير أن نجاحها في الاختبارات على الخراف يعني أن نقلها إلى التطبيق البشري لن يكون بعيد المنال.

تطوير آليات بديلة للرحم

لكن لا ينبغي أن يجنح الخيال بعيداً في تصوّر إمكانية تطوير آلية تتيح ولادة كاملة داخل رحمٍ اصطناعي خارج الحمل الطبيعي الذي يبدأ في الرحم، فذلك ليس حتّى قريباً من متناول البحث. إنّ ما يجري العمل عليه هو تأمين حياة أجنّة وصلت إلى منتصف فترة الحمل أو أكثر بعد أن استحالت ظروف نموّها في رحم الأمّ لأيّ سبب كان. في هذه الحالة يأتي دور الرحم الاصطناعي لخلق بيئة بديلة تسمح بتطوّر الحياة دون انعكاسات سلبيّة تؤثر على سلامة وصحة الجنين.
نشرت نتائج هذه الاختبارات في مجلّة Nature Communications حيث أظهرت أن هذا "الكيس البيولوجي" البديل المصنوع من البلاستيك الشفاف الذي يسمح بمراقبة مباشرة للجنين، يحوي على مواد سائلة شبيهة بتلك الموجودة داخل الرحم، وأنابيب دقيقة تؤمن آليّة لتدوير الدم داخل الجسم، وأخرى لتأمين الأوكسيجين وتبديله مع ثاني أوكسيد الكربون. كذلك، يجب تأمين شروط دقيقة جدّاً لدرجة الحرارة والتركيبة الكيميائيّة للسائل الحاضن، والتغذية المناسبة تماماً كتلك التي تتأمّن للجنين من حبل الصرّة الطبيعي الذي يربطه بالأم.

ابتكار نموذج يؤمن
انسياب الدورة الدمويّة دون استعمال مضخّات

على مدى عقود حاول العلماء تطوير آليات بديلة للرحم عبر خلق بيئة مشابهة له تستطيع احتضان الجنين غير مكتمل النمو، إلّا أنّ إحدى المشكلات الأساسيّة كانت في تقليد نظام الدورة الدموية الذي تؤمنه الأم طبيعيّاً لجنينها. فالدم يجري في دورة كاملة من جسد الأم إلى الجنين حاملاً الأوكسيجين ومن جسد الجنين إلى الأم حاملاً ثاني أوكسيد الكربون. ولتأمين هذه الدورة بشكل دقيق يجب تأمين ضغط دم مناسب دون أن يؤدّي هذا الضغط إلى الإضرار بقلب الجنين وأوعيته الدموية. ظلت المشكلة خلال السنوات الماضية محصورة في تأمين ضخ الدم دون استعمال الضغط من مضخات خارجيّة قد تسبب أضراراً للجنين وتوقف نبضه. إلّا أنّ ما قام به هذا الفريق البحثيّ كان تحديداً في ابتكار نموذج يؤمن انسياب الدورة الدمويّة دون استعمال مضخّات، مما جعل إمكانية تطبيقه ممكنة. إثر ذلك تم توصيل شرايين دم الجنين إلى ماكينة تزوده بالأوكسيجين وتؤمن انسيابية الدم بشكل فائق ما يسمح لدقات قلب الجنين أن تكون كافيةّ لتأمين القوّة اللازمة لضخ الدم داخل هذه الماكينة وعودته إلى الجسم من دون الحاجة إلى مضخات خارجية. إثر تأمين هذه الشروط الضرورية لانسياب الدورة الدمويّة، جرى تطوير السوائل المماثلة كيميائيّاً لتلك الموجودة في الرحم، وكذلك تأمين دورة مناسبة لتنظيف هذه السوائل من البقايا التي يفرزها الجنين لحمايته من أية إصابات مرضيّة أو بكتيريّة، وإبقاء رئتيه ملأى بالسوائل.
الاختبارات تمّت على أجنّة نعاج تعادل في نسبة نموّها أجنّة بشريّة في أسبوعها الثاني والعشرين ونجحت في تأمين نموّها، حيث عاشت جميعها إثر الولادة وتمكّنت من التنفّس وحدها، ثم جرت معاينة أعضائها الأساسية وتحديداً الدماغ والرئتين، ليجد الأطبّاء أنّها سليمة وتماثل تلك المولودة طبيعياً.

سلبيات الولادة المبكّرة

الولادة المبكّرة هي تلك التي تحصل قبل الأسبوع السابع والثلاثين من الحمل، ويمكن أن تحصل في أقصى حالاتها قبل الأسبوع الثامن والعشرين وهي تعتبر الأصعب والأكثر هشاشةً. أما تلك التي تولد قبل ذلك، فتنعدم فرصتها في الحياة في ظلّ التقنيّات المتوفّرة حالياً. تعتبر الولادة المبكّرة من الأسباب الرئيسيّة التي تؤدي إلى الوفاة عند الأطفال حديثي الولادة، وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الولادة المبكّرة تصل إلى حوالى 10% من الولادات عالميّاً رغم أنّها تختلف من بلد إلى آخر. يحتاج هؤلاء الأطفال إلى عناية قصوى خلال فترة نموّهم خارج جسد الأم مع رعاية دائمة ومباشرة تشمل استعمال أنابيب تغذية وسوائل وأدوية مناسبة وكذلك الأوكسيجين.

تنجح نسبة كبيرة من الولادات المبكّرة خلال الأسابيع الأخيرة من الحمل في تخطي الخطر رغم أنّ بعضها قد يعاني من أعراض جانبيّة مرتبطة بتطوّر أعضائها الداخليّة. تتيح التقنيّة الجديدة فور تطبيقها على الأجنّة البشريّة تأمين شروط نموّ أفضل بكثير وتسمح بإنقاذ نسبة كبيرة من حالات الولادة المبكّرة وتخفيف العوارض الجانبيّة والمشاكل الصحيّة المرتبطة بها، كما أنّها تسمح بتأمين ظروف النموّ لأجنّة مولودة قبل الأسبوع الثامن والعشرين بوقت ملحوظ ممّا سيسمح بإنقاذ حياة الكثير منها.
يبقى اتخاذ هذا القرار الجذري الصعب مسؤوليّة الأهل بنقل أولادهم إلى أكياس بلاستيكيّة شفافة داخل غرف متخصصة في المستشفيات لتبقى هناك عدة أسابيع أو ربما أشهر قبل ولادتها، إذ قد لا يكون هذا القرار سهلاً للجميع خاصّة في مراحله الأولى.