الحملات الاميركية التي تستهدف حزب الله تبدو قضائية في الشكل وسياسية في المضمون. ليس في الامر جديد. الجديد هو التركيز الاميركي على قطع مصادر الدعم المالي للحزب، خصوصاً بعد الفشل في مواجهته عسكرياً وسياسياً واعلامياً.
الكونغرس الاميركي حدّد العقوبات على كل من يتعامل مع الحزب أو أي من مناصريه، وهو يتحضر اليوم، كما بدا خلال اجتماع لجنة العلاقات الخارجية فيه اخيراً، لزيادة الضغط على المصارف اللبنانية في هذا الاطار.
اللجنة عقدت اجتماعاً في 8 حزيران الجاري تحت عنوان «مهاجمة شبكة حزب الله المالية: خيارات لسياسات الولايات المتحدة»، بحث خلالها مسؤولون و«خبراء» أميركيون في كيفية مواجهة حزب الله في المرحلة المقبلة، وقدّموا رؤيتهم للوضع الحالي للحزب واقتراحاتهم في شأن العقوبات المالية التي يفترض أن تعتمدها الإدارة الجديدة في واشنطن.
وتضم اللجنة حالياً 25 سيناتوراً من الحزب الجمهوري إضافة الى رئيسها، مقابل 20 سيناتوراً من الحزب الديمقراطي إضافة الى نائب الرئيس. وقد اطلعت «الاخبار» على الاوراق والمداخلات التي تخللت الاجتماع، وتبيّن الآتي:
أولاً، هناك تيار يضم سياسيين ورجال استخبارات ومشرعين أميركيين يراهنون على ان وصول الجمهوري دونالد ترامب الى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة يتيح فرصة لمواجهة أكثر شراسة واندفاعاً ضد حزب الله في لبنان وفي العالم وفي دول اميركا اللاتينية وافريقيا بشكل خاص.
ثانياً، يعتقد الاميركيون بأن التشدد في فرض العقوبات المالية على الحزب وأصدقائه وداعميه وكل من له صلة به اتى بثماره، وبالتالي يتوقع ان تُكثف العقوبات والضغوطات. ويستدعي ذلك مزيداً من الضغط على المصارف اللبنانية.
ثالثاً، ان صانعي السياسات في مجال مواجهة الإرهاب في واشنطن يعتقدون بأن حزب الله يمر بأزمة مالية غير مسبوقة بسبب العقوبات من جهة والتكاليف الباهظة للحرب في سوريا من جهة اخرى، وان الحزب بدأ يفقد شعبيته، ليس فقط عربياً واقليمياً بل لبنانياً أيضاً، وبالتالي لا بد من دعم أميركي لتنامي جهات معارضة للحزب خصوصاً اذا كانت تنتمي الى شيعية.

في الولايات المتحدة اعتقاد بأن الحزب يفقد شعبيته والمطلوب دعم أميركي لمعارضيه

افتتح الاجتماع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس السيناتور الجمهوري ايد رويس بالإشارة الى أن «حزب الله هو رأس حربة المواجهة الايرانية ضد إسرائيل». وتابع: «كنت في حيفا عام 2006 عندما أمطر حزب الله إسرائيل بـ 10 آلاف صاروخ. بعد مرور 11 سنة على ذلك، يمتلك الحزب ترسانة تضم نحو 110 آلاف صاروخ تتميز بتكنولوجيا أكثر تطوراً». وانتقد رويس الاتفاق النووي الاميركي ــــ الايراني الذي كان يحظى بدعم الحزب الديمقراطي، معتبراً أن حزب الله هو احد المستفيدين الرئيسيين منه. لكنه عاد وناقض قوله في نهاية حديثه من خلال زعمه أن العقوبات المالية الاميركية المفروضة على الحزب منذ عام 2015 أدت الى «أسوأ أزمة مالية شهدها حزب الله منذ عشرات السنين». وأنهى مداخلته بأن العقوبات المالية «لن تؤدي وحدها الى حماية إسرائيل من صواريخ حزب الله، كما لن تحمي السوريين من عملية التطهير العرقي التي يشارك فيها الحزب في سوريا». وكان لافتاً في افتتاحية رويس وفي محاضر الاجتماع، خلال تناول الحرب في سوريا والعراق، عدم ورود أي ذكر ــــ ولو هامشياً أو عرضياً ــــ لتنظيمي «داعش» او «النصرة» أو أي من التنظيمات التي صنفها مجلس الامن الدولي إرهابية.
تبع الافتتاح نقاش بين الحضور تخللته أربع مداخلات قدم أصحابها تقارير مفصلة ضُمّت الى المحضر الرسمي. المداخلات الأربع والتقارير التي استندت اليها، والتي سنعرض أبرز ما ورد فيها، قدّمها كل من مارا كارلين، أستاذة الدراسات الاستراتيجية في جامعة جونز هوبكنز، دايفيد آشر ممثلاً مجلس إدارة «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية»، ديريك مالتز وهو الضابط المسؤول في وكالة مكافحة المخدرات (دي أي آي)، وماثيو ليفيت من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وأحد المسؤولين السابقين في الخزانة الاميركية.




مالتز: تصويب على مصارف لبنانية وشركات صيرفة

شرح مالتز تفاصيل بعض التحقيقات التي قامت بها وكالات الاستخبارات والامن والخزانة الاميركية بالتعاون مع وكالة مكافحة المخدرات، وزعم انها خلصت الى حسم ضلوع حزب الله في عمليات تبييض أموال وتهريب مخدرات والاتجار بها.
السيناريو الذي تناوله مالتز جاء على النحو الآتي: عام 2004 قام المحققون في وكالة مكافحة المخدرات الاميركية من ميامي (فلوريدا) بعملية تحقيق واسعة بشأن جرائم تبييض الاموال (عرفت العملية باسم «تايتن») استهدفت مجموعة «اوفيسينا دي اولفيغادو» في مديلين (كولومبيا). وتبين للوكالة من خلال تحقيقات مشتركة مع الشرطة الكولومبية ان مبيض أموال لبنانياً كان ضالعاً في نشاطات هذه المجموعة. وفي عام 2008 أوقف 150 مشتبهاً فيهم بتبييض الاموال وحجز نحو 23 مليون دولار تبين ان مصدرها تجارة الكوكايين. كما تبين ان عمليات تبييض الاموال انتشرت في عدة دول منها الصين ودول افريقية وأميركية وكندا، انطلاقاً من كولومبيا.
انطلاقاً من نتائج عملية «تايتن» (2004 ــــ 2008) فتحت وكالة مكافحة المخدرات الاميركية، بمساعدة أجهزة الاستخبارات والرصد الاميركية، تحقيقاً في مصادر الاموال التي يتم تبييضها فتبين انه يتأتى من «تهريب أطنان من الكوكايين الى دول غرب افريقيا تمهيداً للاتجار بها في مختلف دول العالم» بواسطة عصابة مكسيكية يطلق عليها اسم «لوس زيتا». أما العلاقة المزعومة لحزب الله بكل ذلك فهي، بحسب شهادة مالتز، تهريب أموال من دول غرب افريقيا الى لبنان من خلال شبكة «متطورة جداً». على اثر ذلك، فتح تحقيق بشأن الانشطة المالية للبناني يدعى أيمن ج. وشركة صيرفة (يقع مكتبها في منطقة الحمرا) ومصرف لبناني. واشتبهت خلاصة التحقيقات في كانون الثاني 2011 بنحو عشرة اشخاص وعشرين مؤسسة مرتبطين بأيمن ج. وبشركة الصيرفة. وفي الشهر التالي أعلنت وكالة مكافحة المخدرات اسم المصرف اللبناني المشتبه به بتبييض أموال المخدرات وذلك من خلال انشطة تجارية مختلفة منها شراء كميات كبيرة من السيارات المستعملة من الولايات المتحدة وشحنها الى عدة دول في غرب افريقيا. وادعى مالتز ان «المصرف كان يساعد حزب الله من خلال شبكة أيمن ج.».
وأفادت السلطات القضائية في ولاية نيويورك في العام نفسه (2011) ان حجم الاموال التي أمنها المصرف لشراء السيارات المستعملة بلغ 329 مليون دولار، وزعمت ان تجارة المخدرات هي المصدر الأساسي لهذه الاموال. وادّعى مالتز ان هذه الاموال حُوِّلت من المصرف الى شركة الصيرفة ومنها الى حزب الله. ثم انتقل الى شرح تفصيلي فأفاد انه تم نقل ملايين الدولارات عبر حدود غانا وتوغو من بنين الى مطار أكرا، ومنه عبر الجوّ أو «من خلال البريد»، الى لبنان حيث «أمّن حزب الله نقلها الى شركات الصيرفة». وتم تحويل هذه الاموال من شركات الصيرفة الى البنك اللبناني المذكور ومنه الى الولايات المتحدة بهدف تبييضها عبر شراء سيارات مستعملة وشحنها الى دول في غرب افريقيا. وقدرت الأرباح المجنية من اعادة بيع تلك السيارات بنحو 20 في المئة من قيمتها.
وذكر المحقق الاميركي في شهادته أمام الكونغرس ان السلطات القضائية في ولاية فيرجينيا اتهمت أيمن ج. بتنسيق تهريب عشرات آلاف الكيلوغرامات من الكوكايين من كولومبيا الى عصابة «لوس زيتا» تمهيداً لتسويقها في الولايات المتحدة. وزعم أن موظفين ومسؤولين في المصرف اللبناني قاموا بنقل أموال الى مصارف أخرى في لبنان «في محاولة لاخفاء تلك الاموال عن الولايات المتحدة». وفي آب 2012 طلبت محكمة في ولاية نيويورك 981 الف دولار تعويضات من خمسة مصارف أميركية لقيامها بتحويلات مالية غير مشروعة مع مصرف لبناني آخر زعم انه تلقى مبلغ 150 مليون دولار من البنك اللبناني الذي انكشف للاميركيين ضلوعه «بتبييض أموال لصالح حزب الله». وفي النتيجة، سدّد البنك 150 مليون دولار الى السلطات الاميركية لتسوية الامر قضائياً لكن الامور لم تتوقف عند هذا الحد. ففي حزيران 2013 سدد بنك لبناني آخر كذلك مبلغ 102 مليون دولار الى محكمة في نيويورك لتسوية وضعه القانوني.
المستغرب في افادة مالتز بشأن هذه التسويات القضائية، انه اعتبرها «خطوات غير مسبوقة استهدفت حزب الله ونشاطه غير المشروع حول العالم» بينما لا يظهر دليل قانوني يثبت أي رابط او علاقة مباشرة للمصرفين بالحزب.
على أي حال، استمرت التحقيقات المزعومة الاميركية بعد ذلك، وتم تحديد عدد إضافي من شركات الصيرفة اللبنانية المتهمة بالضلوع بتبييض الاموال خلال نيسان 2013. وفي شباط 2016، زعم مالتز ان وكالة مكافحة المخدرات الاميركية التي يعمل ضمنها، بالتعاون مع سلطات التحقيق في أوروبا، كشفت «عملية ضخمة لتهريب مخدرات وتبييض أموال لصالح حزب الله»، وذلك بهدف «تغطية تكاليف الحرب في سوريا». كما زعم مالتز ان التحقيق بيّن «تحويل ملايين اليورو من أوروبا الى الشرق الاوسط» بطريقة غير مشروعة. وختم افادته بتوصيات لإدارة الرئيس دونالد ترامب بتفعيل مكافحة مصادر تمويل حزب الله بشكل أوسع عبر إعادة هيكلة الاجهزة والوكالات الاميركية وتعزيز التعاون مع المملكة المتحدة وكندا وأستراليا في هذا المجال ومن خلال تشديد مراقبة تحويلات المصارف والتحقيق المعمق في كل شبهة.





كارلين: احباط لبناني شيعي من الحزب

بدأت مارا كارلين مداخلتها بالقول إنها قامت بـ«تفحّص» حزب الله على مدى عشرين سنة كباحثة وكـ«صانعة لسياسات الامن القومي الاميركي». وقدمت نبذة عن تاريخ الحزب جاء فيها أنه نفّذ «تفجيرات مرعبة للمنشآت الاميركية مطلع الثمانينات». وأغفلت ان تلك «المنشآت» هي قواعد عسكرية كانت تتدخل الادارة الاميركية من خلالها في الشؤون اللبنانية الداخلية خلافاً لميثاق الامم المتحدة ولقرارات مجلس الامن. كما تناست ان مسؤولية الحزب عن هذه التفجيرات لم يتم اثباتها ولا توجد اية دلائل على هذه المزاعم. وربما ما يفسر ذلك التناسي ان من بين المصادر التي استندت اليها كارلين، وهي باحثة اكاديمية في احدى أعرق الجامعات الاميركية، كتاب للاسرائيليان زييف شيف ويهود يآري صدر عام 1985 وكتاب آخر لفؤاد عجمي صدر عام 1986.
ولدى تناولها الترسانة العسكرية للحزب استندت الباحثة الأميركية الى قول وزير الدفاع الاميركي السابق روبرت غايتس إن «عدد المقذوفات والصواريخ التي يمتلكها حزب الله يفوق العدد الذي تمتلكه معظم حكومات العالم». وأضافت، في ما بدا مخالفاً للأسباب الموجبة لفرض عقوبات مالية على حزب الله تستهدف مصادر مزعومة لتمويله عبر افريقيا وأميركا الجنوبية، ان من دون الدعم الذي يحصل عليه الحزب من سوريا وايران «سيصبح مثل باقي الميليشيات او اللاعبين السياسيين اللبنانيين».
وتحدثت مطولاً عن تدخل حزب الله في الحرب في سوريا، وخصصت الجزء الأكبر من مداخلتها لعرض «الخسائر» التي يتكبدها. كما زعمت ان الحزب «خسر التأييد المحلي، وشعبيته الإقليمية إضافة الى خسارته آلاف المقاتلين». وفي هذا السياق، قارنت شعبية الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله عام 2006 بشعبيته اليوم في الدول العربية. وأضافت ان «السُنّة في الشرق الاوسط يراقبون مساهمة حزب الله في قتل السوريين وتدمير سوريا»، وان دول مجلس التعاون الخليجي «صنفت الحزب منظمة إرهابية كما ادانته منظمة الدول الإسلامية (...) ويدل ذلك الى عزلة يتعرض لها حزب الله». وكان لافتاً اغفالها مواقف العراق وسوريا وايران (إضافة الى مواقف سياسية وشعبية خصوصاً في تونس والجزائر والمغرب ومصر وفلسطين وعمان والكويت والأردن والسودان) بشأن الحزب اقليمياً، وروسيا والصين وفينزويلا (والعديد من الدول الآسيوية والأميركية الجنوبية) دولياً.
بعد ذلك، انتقلت كارلين الى ما قد يكون ابرز جانب من مداخلتها وهو رؤيتها لمكانة الحزب اليوم بين اللبنانيين الشيعة. فقالت «ان الشيعة اللبنانيين ينظرون الى جثث شبابهم تعود من سوريا حيث يخوض حزب الله حرباً لصالح دمشق وطهران». وزعمت أن الحزب «نزف في سوريا أكثر مما نزف خلال الحرب ضد إسرائيل»، مستخلصة أن تغيير وجهة قتال الحزب من إسرائيل الى سوريا كان له تأثير عميق على حجم تأييده شعبياً. كما زعمت أنه بات اليوم، بعد انخراطه في الحرب السورية، يأتمر من ايران بشكل كامل و«قاسم سليماني لا حسن نصرالله، هو الذي يحدد مستقبل حزب الله». واللافت هنا استناد كارلين الى مقال كلف معهد واشنطن اللبنانية حنين غدار صياغته مدّعية انه خلاصة مقابلات مع «عدد كبير من القياديين والمقاتلين في حزب الله»، علماً ان غدار مقيمة في واشنطن ومواقفها ضد الحزب معروفة وعلنية.
وزعمت الأستاذة في جامعة جونز هوبكنز أن «اللبنانيين الشيعة يعانون اليوم من عزلة لم يعانوا منها منذ زمن بعيد»، وهم «محبطون من حزب الله»، والسبب الوحيد الذي يدفع الشباب الى الانضمام الى صفوف الحزب هو المال. وهنا أيضاً استندت الى غدّار لتدعي ان الحزب «يجري عقوداً لعدة سنوات مع المقاتلين الجدد» قبل ارسالهم الى القتال في سوريا. وخلصت الى انه «نظرا الى كل ذلك، فإن اللبنانيين الشيعة يحتاجون الى ممثل عنهم يستبدل حزب الله».
وفي الجزء الثاني من مداخلتها، أشارت كارلين الى تمكن الجيش اللبناني «بفضل الدعم الاميركي»، من تحقيق انتصار في معركة نهر البارد عام 2007، متناسية المساعدات العسكرية التي قدمها الجيش السوري آنذاك الى الجيش اللبناني. وزعمت أن «حزب الله يشكل الخطر الأكبر على الامن الداخلي اللبناني»، مشيرة الى احداث أيار 2008، واصفة إياها «بتوجيه الحزب سلاحه ضد الشعب اللبناني».
وطلبت كارلين من أعضاء الكونغرس النظر في الامور الآتية قبل فرض عقوبات مالية جديدة لمواجهة حزب الله:
اولاً، طبيعة العلاقة بين روسيا وسوريا وايران وحزب الله وتحديد الامور الخلافية بينهم ودرس سبل استثمارها.
ثانياً، بدائل عن حزب الله من بين الشيعة اللبنانيين.
ثالثاً، اذا كان الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الى الجيش اللبناني مفيداً.
ولا بد من الإشارة هنا الى أن التوجه السياسي السائد في واشنطن اليوم لا يحبذ استمرار دعم الحكومة الاميركية للجيش اللبناني ولا يضع ذلك في مقدمة سلم الاولويات لمواجهة حزب الله لأن هذه التجربة لم تجد نفعاً في السابق.




آشر: تبييض أموال من خلال «النظام المصرفي»

زعم ممثل «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية» دايفيد آشر، أمام الكونغرس، بأن حزب الله بات «أكبر منظمة في العالم تقوم بتبييض الاموال» وأحد «اكبر مهربي المخدرات من اميركا الوسطى الى افريقيا وأوروبا». وادعى ان الحزب «يقوم بتبييض الاموال من خلال النظام المصرفي اللبناني»، وأن الاموال التي يجنيها من تبييض الاموال تفوق الاموال التي يحصل عليها من ايران. ووافق آشر على ما ورد في افادة زميله مالتز بأن القضاء على مصادر تمويل الحزب «سيؤدي حتماً الى منع تعاظم قوته العسكرية»، وبالتالي لا بد من التركيز على ذلك بدل مواجهته عسكرياً او أمنياً.
وإضافة الى نعته بالمنظمة الإرهابية، استخدم آشر مصطلحاً لافتاً. إذ وصف حزب الله بـ«المقاومة المجرمة»، وزعم انه تحول خلال السنوات الأخيرة من تنظيم إرهابي الى تنظيم «اجرامي إرهابي مقاوم» مدعوم بواسطة شبكة مالية وتجارية غير مشروعة. وأضاف ان عمليات الاتجار بالمخدرات مقابل المعلومات الاستخبارية التي كان يقوم بها الحزب في السابق تحولت الى صفقات اتجار بالمخدرات مقابل جني أرباح مالية، معتبراً ان الحزب يستخدم الجريمة «لزيادة اتباعه حول العالم».
وأكد آشر ان كل الاستعدادات كانت جاهزة لتعطيل مصادر تمويل الحزب في المرحلة السابقة، لكن «لأسباب نجهلها» منعت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما السير «في الإجراءات التي كنا قد وضعناها». ولفت الى ان الإدارة السابقة أعادت تشكيل أهم المسؤولين في مؤسسات الضابطة العدلية الاميركية الذين كانوا يحققون في ملفات متعلقة بحزب الله وايران وفنزويلا، وكلفتهم بمهام جانبية أخرى.
تشمل الاستراتيجية التي يقترح آشر إعادة تفعيلها في المرحلة المقبلة لمواجهة حزب الله بعد تغيير القيادة في واشنطن:
ــــ ربط التحقيقات الجنائية بعمليات التحقيق مع مشتبه فيهم بالضلوع في الإرهاب أو دعمه.
ــــ مطاردة حزب الله من خلال مطاردة شبكات الاتجار بالمخدرات التي يزعم وجود علاقة بينها وبين الحزب.
ــــ ملاحقة شبكات تبييض الاموال ومنها شركات الصيرفة اللبنانية من خلال عمليات مشتركة بين وكالة مكافحة المخدرات الاميركية ومكتب التحقيقات الفيديرالي.
ــــ ملاحقة المصرفيين وتصنيف بعض المصارف اللبنانية بأنها مصارف «تحظى باهتمام السلطات الاميركية» بسبب شبهة تبييض الاموال.
ولفت آشر الى ان مسؤولين في وزارة العدل وفي مؤسسات الضابطة العدلية كذلك بعض العاملين في أجهزة الاستخبارات الاميركية عبروا عن «خوف من ردود فعل» المنظمات المصنفة إرهابية اذا تمت ملاحقتها قضائياً. لكنه قال: «أنا شخصياً اعتقد ان هذه المخاوف غريبة وغير مبنية على وقائع». وعبر عن ثقته بنجاح المسار الذي ستنتهجه الإدارة الجديدة في «مهاجمة وهزيمة داعش والقاعدة وحزب الله وايران وكل من هو مرتبط بهم والشبكة المالية التابعة له وكل من يسهل اعمال الشبكة المالية». وختم افادته بتوصية أساسية دعا فيها الى تشكيل فريق عمل موحد خاص بمواجهة حزب الله «تساهم أجهزة الاستخبارات من خلاله في عمل مؤسسات الضابطة العدلية ولا تعاكسها».




ليفيت: لخنق مشروع «تجهيز مجاهد»!

قال ماثيو ليفيت (معهد واشنطن) في مطلع افادته امام الكونغرس إن «المصرف المركزي في لبنان اصدر تعميماً أمر من خلاله المصارف اللبنانية بإغلاق الحسابات المصرفية المسجلة باسم أشخاص ومؤسسات مرتبطة بحزب الله».
قد يكون ماثيو ليفيت أكثر المتحدثين في هذا الاجتماع خبرة في مجال مواجهة حزب الله اميركياً. فهو، قبل انتقاله للعمل لصالح معهد واشنطن، كان بين المسؤولين الأساسيين في الخزانة الاميركية الذين ضغطوا منذ اكثر من عشر سنين لفرض عقوبات مالية. وبالتالي قد يكون افشلهم. إذ ان الحزب يزيد قوة وقدرة منذ ان قررت واشنطن تصنيفه منظمة إرهابية عام 1997. وخلال الأعوام العشرين الماضية تحول من قوة محلية ناشطة في المجال العسكري (مقاومة الاحتلال الإسرائيلي) في منطقة جغرافية ضيقة (جزء من الجنوب والبقاع) الى قوة دولية تضم عشرات المؤسسات والوحدات والشعب وتعمل في مجالات الامن والاستخبارات والمواجهة الحربية (المحلية والإقليمية) والخدمات الطبية والتربوية والرعاية الاجتماعية والاعلام، وتشارك في التشريع وفي إدارة شؤون الدولة اللبنانية.
وبالتالي وجد ماثيو ليفيت وزملاؤه أنفسهم أمام الكونغرس مضطرين لتصديق مزاعمهم بأن «حزب الله يمرّ اليوم بأسوأ أزمة مالية منذ عشرين عاماً» وان نهايته باتت قريبة (كما أكد دايفد آشر). لكن اذا كان ذلك فعلاً هو الحال فلماذا تبحث الولايات المتحدة عن خيارات جديدة لمكافحة تمويله، ولماذا لا تستمر بالسياسة نفسها التي كانت تنتهجها إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه الحزب؟
على أي حال ادعى ليفيت ان افضل دليل على ان حزب الله يمر بأزمة مالية حادة هي حملة «مشروع تجهيز مجاهد» التي تجمع التبرعات للحزب. لكن يبدو ان ليفيت تناسى، أو تجاهل، ان حزب الله بدأ بجمع التبرعات والمساهمات منذ تأسيسه في مطلع ثمانينات القرن الفائت، وان الصناديق الخاصة بهيئة دعم المقاومة الاسلامية منتشرة في العديد من المناطق اللبنانية بشكل علني منذ أكثر من عشرين سنة.
وكزميلته كارلين، استند ليفيت الى مزاعم كتبتها حنين غدار في مقالات لصالح معهد واشنطن عبرت من خلالها عما يريد ان يسمعه الاميركيون من تطمينات بأن الحزب يعاني من أزمات حادة وأنه يفقد شعبيته بين اللبنانيين الشيعة.
وفي الجزء الثاني من مداخلته عدّد أسماء أشخاص وشركات زاعماً انهم ضالعون بالإرهاب من خلال تزويدهم حزب الله معدات عسكرية. كما عدد أسماء اشخاص مدعياً انهم مسؤولون في الحزب في اليمن وسوريا والعراق، وذلك تمهيداً لضمهم الى قائمة الأشخاص الذين فرضت الولايات المتحدة عليهم عقوبات مالية وتتعقبهم وتلاحقهم دولياً.
وفي الجزء الثالث تناول ليفيت أنشطة حزب الله المزعومة في اميركا الجنوبية وتحديداً في البرازيل وبيرو. وادعى ان لبنانياً مرتبطاً بالحزب كان يسعى الى تفجير «أماكن تخص إسرائيليين في بيرو ومنها السفارة الإسرائيلية وأماكن تجمع السياح الإسرائيليين». وصوّب على مكتب العلاقات الخارجية في الحزب قائلاً ان من كان يرأس ذلك المكتب «هو (النائب) نواف الموسوي وانه استبدل بعلي دعموش». ويدل ذلك الى ان ليفيت يعاني من نقص حاد في معرفة ابسط الامور وأكثرها علنية لدى الحزب. إذ ان السفراء الأجانب المقيمين في لبنان يعلمون ان الموسوي كان يشغل منصب رئيس مكتب العلاقات الدولية في حزب الله، وعندما دخل الندوة البرلمانية استبدلته قيادة الحزب بالنائب السابق عمّار الموسوي.
في ختام مداخلته أوصى ليفيت بالآتي:
اولاً إضافة اشخاص ومؤسسات وهيئات على صلة بحزب الله على قائمة المشمولين بالعقوبات المالية.
ثانياً استهداف الأشخاص والجهات التي تسهّل معاملات الحزب واي نشاط يقوم به في لبنان أو في أي مكان في العالم. ويدعو ليفيت الى توقيف «المسهلين» (وهو يطلق عليهم «سوبر مسهلين») وتسليمهم الى الولايات المتحدة تمهيداً لمحاكمتهم هناك بجرائم دعم الإرهاب.
ثالثاً إقرار الجزء الثاني من العقوبات المالية الاميركية والتركيز على مراقبة المصارف والمؤسسات المالية الموجودة خارج لبنان والتي تستخدم لتهريب وتبييض الاموال.
رابعاً إعادة فرض العقوبات على ايران بسبب دعمها المستمر لحزب الله.