يرى بعضهم أنّ طرح موضوع السرطان في مسلسل رمضاني «ثقيل وكئيب ومحزن»، إذ يتوق الناس إلى أعمال درامية «أخف وأقل تعقيداً» في مثل هذا الوقت من السنة. لا يمكن إنكار صحّة هذا الكلام، لكن ما حصل مع «حلاوة الدنيا» (تأليف سما أحمد وإنجي القاسم تحت إشراف السيناريست تامر حبيب) هذا العام مختلف تماماً.
منذ الحلقات الأولى، حصد المسلسل الذي أخرجه حسين المنباوي نسب مشاهدة عالية. فالعمل طبخة متكاملة المكوّنات، إن لناحية الموضوع الذي يمسّ الجميع مع تفاقم انتشار المرض الخبيث، أو القصّة الإنسانية التي تفيض بالمشاعر الحلوة والمرّة، أو الحبكة المقنعة الخالية من الرتابة، أو أداء الممثلين الذي يشكّل أساساً لنجاح العمل. واللافت أيضاً أنّ «حلاوة الدنيا» لا يخلو من المواقف الكوميدية التي تستبدل مراراً الدموع في عيون المشاهدين بضحكات.
«أمينة الشمّاع» (هند صبري)، شابة ناجحة جداً في عملها، تفيض حيوية ونشاطاً، ولديها مخططات كبيرة لسنواتها المقبلة. في خضم استعداداتها للزواج بحبيبها «عمر» (هاني عادل)، تكتشف إصابتها بسرطان الدم بعد صدور نتائج الفحوص الطبية التي تسبق عقد القران، لتبدأ المعركة على مختلف الأصعدة. مهمّة صعبة جداً فيها الكثير من الإنكسارات ولحظات اليأس والخيبة، والتبدّلات النفسية والفيسيولوجية. نعاني مع «أمينة» وهي تكتم سرّها قبل إخبار عائلتها، ونبكي معها حين يكتشف الجميع النبأ السيء، ونبتسم حين نراهم يحاولون التخفيف عنها، ونحزن حين يقرّر «عمر» التخلّي عنها لأن «الحمل ثقيل عليه»، قبل أن نترقّب كيف ستتطوّر حياتها، آملين أن تجمعها علاقة حب بـ «سليم».
لهذا الشاب الوسيم الذي يجسّده التونسي ظافر العابدين حكاية أخرى. تعرّفت إليه «أمينة» في إحدى المجموعات التي تضم مرضى سرطان يتشاركون مشاكلهم وأفكارهم لدعم بعضهم. يعاني الشاب من عودة الورم إلى رأسه، غير أنّه يرفض إجراء عملية جراحية ثانية ستفقده حتماً بعض قدراته البدنية، مفضلاً الاستمتاع بما تبقى له من وقت قليل في هذه الدنيا والابتعاد عن المقرّبين. في المقابل، يحرص «سليم» على مساعدة المرضى الآخرين بشتّى الطرق، وعلى رأسهم «أمينة» أثناء خضوعها للعلاج الكيميائي. تولد شرارة حب بين الثنائي يحاول الرجل كتمها، لتنقلب القصة رأساً على عقب بعد مصارحة البطلة له بمشاعرها، فيتزوّجا بعد إجرائه العملية الجراحية. عبر هذا الدور، نشاهد العابدين ممثلاً يبرع في تجسيد دور العاشق والمثابر الذي عجّت حياته سابقاً بالطيش والعشوائية.
يمكن كتابة الكثير عن أبطال «حلاوة الدنيا»، وأهمهم أنوشكا التي تألقت في دور «ناديا» والدة «أمينة»، ورجاء الجداوي في دور جدّتها «زوزو»، إضافة إلى حنان مطاوع التي جذبت الانتباه من خلال شخصية «سارة»، جارة «أمينة» وصديقة عمرها.

أداء الممثلين ركن أساسي
في نجاح المشروع

على بساطتها، توصل مطاوع هذه الشخصية إلى المشاهد بتمكّن، بكل ما فيها من عفوية وطيبة وخفة ظل و«جدعنة»، سيّما عندما تغطّي حساسيّتها الزائدة وقلّة ثقتها بنفسها بصوتها العالي وحركاتها «المجنونة». ولا يمكن إغفال مصطفى فهمي ونهى عابدين وأحمد حاتم، وبالتأكيد مصمّمة الأزياء ياسمين غيث التي أضافت لمسة خاصة إلى المشروع ملؤها الصدق والواقعية والتلقائية لأنّها مريضة سرطان ثدي فعلاً. أما الشقيقة الصغرى «عليا» التي تؤديها الوجه الجديد سلمى أبو ضيف، فبدت الأقل إقناعاً بين نجوم المسلسل، وجاء تمثيلها مبالغاً. حاولت الشابة اليافعة جاهدة إيصال شخصية البنت الطائشة والدلوعة التي تريد إثبات نفسها، لكن الانطباع كان مغايراً تماماً لدى المشاهد.
ينجح «حلاوة الدنيا» في تصوير جوانب مختلفة من حياة المصابين بالسرطان، بعضها صعب جداً كما يحدث في المشهد الذي تقرّر فيه «أمينة» حلاقة شعرها الذي ستخسره رويداً رويداً نتيجة العلاج. إلا أنّه في الوقت نفسه مليء برسائل الأمل والحب والإيجابية والمقاومة التي لا تتوجّه للمرضى فحسب. فجميعنا معرّضون لنكون في مكان أيٍّ من شخصيات العمل.
ولعلّ ما قالته «أمنية» في إحدى الحلقات التي عرضت أخيراً يلخّص الهدف من هذا المسلسل. أثناء حديثها على المسرح أمام مجموعة من الناس، أكدت البطلة أنّها تعتبر نفسها «محظوظة. فالسرطان جعلني أكتشف حلاوة الدنيا. صرت أثمّن التفاصيل البسيطة التي لم أكن أعرها اهتماماً وأقدّرها سابقاً... الشهية على الأكل، القدرة على النوم لساعات متواصلة من دون ألم...». في النهاية، أدركت «أمينة» أنّ سعادتها الحقيقية تكمن في اكتشاف ما الذي تريده فعلاً، ومصدر سعادتها الحقيقية. في حالتها، المسألة مرتبطة بحياة أهدأ بكثير مما اعتادته، مع إنجازات أقل مهنياً وأكثر على الصعيد الشخصي، من خلال حياة تجمعها بشخص يفهمها ويقدّرها ويجعلها سعيدة.
«حلاوة الدنيا» مأخوذ عن نسخة مكسيكية بعنوان Terminales (عام 2008) تبعتها أخرى أميركية في عامي 2014 و2015 باسم Chasing Life. العملان متشابهان ومختلفان في الوقت نفسه، وقد اقتبس المشروع المصري من الاثنين خطوطاً وتطوّرات وشخصيات. في Chasing Life، يموت البطل «ليو» (سليم) وتتحضّر «أبريل» (أمينة) لقضاء حياتها من دون التفكير في المرض. في المقابل، يبقى البطل حياً في Terminales وتتمكن البطلة من هزيمة المرض، لكنّها تموت نتيجة تعرّضها لحادث سير. فهل سيعتمد «حلاوة الدنيا» إحدى هاتين النهايتين، أم أنّه ستكون له واحدة خاصة به؟

«حلاوة الدنيا»: 15:00 بتوقيت بيروت على «mbc دراما»، و00:00 على cbc