«جدار برلين» الخليجي المقام في الخليج ــ على حدّ تعبير أحد الوزراء القطريين ــ ارتفع مستواه، بعض الشيء، خلال اليومين الماضيين، ليتجاوز بنّاؤوه (الثنائي السعودي ــ الإماراتي، والدول التي تدور في فلكه)؛ ففي حين اتخذت البحرين خطوة إضافية، في سياق الإجراءات «العقابية» ضد الإمارة الخليجية، بطلبها من جنود قطريين موجودين على أرضها لخدمتهم ضمن القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، انضم موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إلى إجراءات العقاب ضد الدوحة، بتوقيفه حسابات قناة «الجزيرة».
وأعلنت القناة القطرية عن توقيف، يُرجّح أن يكون «مؤقتاً»، لحسابها على «تويتر» باللغة العربية، في حين لم يتأثر حسابها بالانكليزية بهذا التوقف.
يأتي ذلك في وقت يواصل فيه الثنائي السعودي ــ الإماراتي حملة دبلوماسية لتعزيز العقوبات على الدوحة. وفي هذا السياق، أطلع وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، أعضاءً في الكونغرس الأميركي على الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية المتخذة بحق الجارة القطرية، قائلاً إنها تستهدف «إيقاف دعمها المالي للمنظمات المتطرفة وتدخلاتها في شؤون الدول الأخرى».
أما على خط الوساطات، فقد أجرى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، محادثات مع الملك السعودي سلمان. وفيما وصفت مصادر اللقاء بـ«الإيجابي»، لم يصدر ما يفيد رسمياً عن تحقيق أي تقدم في حل الأزمة. وكان الوزير التركي قد قام الأسبوع الماضي بجولة خليجية شملت الى جانب السعودية قطر والكويت.
وتضع أزمة الخليج تركيا في موقف حساس، لأن أنقرة تعتبر الدوحة أبرز حليف لها في الخليج، لكنها تسعى أيضاً الى توثيق علاقاتها بالسعودية. وفي الوقت نفسه، تسعى تركيا الى الحفاظ على علاقاتها مع إيران، خصم السعودية الرئيسي.
جدير بالذكر أنّ الوساطة التركية تبدو أمام مسارات مغلقة، خاصة بعدما كشف الرئيس رجب طيب أردوغان، يوم الجمعة، أنه عرض على الملك السعودي سلمان «إنشاء قاعدة عسكرية تركية في السعودية»، وأتاه الرد، أول من أمس، بلهجة واضحة في رفضها. ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن «مصدر مسؤول» أنّ الرياض «لا يمكن أن تسمح لتركيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها، وأنها ليست في حاجة إلى ذلك، وأن قواتها المسلحة وقدراتها العسكرية في أفضل مستوى، ولها مشاركات كبيرة في الخارج، بما في ذلك قاعدة أنجيرليك في تركيا، لمكافحة الإرهاب وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة».

السعودية ــ إسرائيل

ويوماً بعد يوم، تتضح أبعاد جديدة للتصعيد السعودي، تشي بتحالفات جديدة على المستوى الإقليمي، لا سيما على خط الرياض ــ تل أبيب، إذ أشارت صحيفة «تايمز» اللندنية إلى مفاوضات سرية تجري بين الجانبين لفتح قنوات دبلوماسية رسمية، تكون بدايتها باتفاق حول الملاحة الجوية، تُفتح بموجبه أجواء السعودية للطائرات التجارية الإسرائيلية.
هذه المعلومات، إن تأكدت، فستعني أن السعودية باتت تمتلك أكثر من باب لإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل. وعلاوة على الاتفاق الجوي، تأتي موافقة البرلمان المصري على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والتي تتضمن تنازلاً عن جزيرتي تيران وصنافير، لتفتح الباب أمام انخراط سعودي مباشر في اتفاقية «كامب ديفيد»، وفق ما يؤكد الكثير من المراقبين، وهو أمر لن يتأخر، وسيكون فور توقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ما انتهى إليه مجلس النواب الأسبوع الماضي، ونشره في الجريدة الرسمية.
ووفق «التايمز»، فإن هذه العلاقات قد تبدأ على شكل اتفاقات صغيرة الحجم، ستسمح للشركات الإسرائيلية بالعمل في الخليج، منها على سبيل المثال السماح لشركة «العال» بالتحليق في الأجواء السعودية.

أشارت «تايمز» البريطانية إلى مفاوضات سريّة بين السعودية وإسرائيل

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن احتمالات التقارب بين السعودية وإسرائيل ربما تفسر جزئياً فرض السعودية وحلفائها حصاراً شاملا على قطر، لدفعها نحو التخلي عن دعمها لحركة «حماس». ومع ذلك، نفت مصادر سعودية في حديثها إلى «التايمز» فكرة تحسين العلاقات بينها وبين إسرائيل، قائلة إن الأمر يقتصرعلى رغبة أميركية في هذا الخصوص.

ازدواجية أميركية

وعلى هامش كل ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تمارس لعبة مزدوجة مع كل من الرياض والدوحة. فرغم الانتقادات التي وجّهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى قطر، بعثت الولايات المتحدة بإشارات تؤكد أنها لن تتخلى عن الإمارة الصغيرة، حيث أرسلت سفينتين تابعتين للبحرية الاميركية الى مرفأ حمد جنوب الدوحة «للمشاركة في تمرين مشترك مع البحرية» القطرية، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع القطرية.
ويأتي ذلك تزامناً مع توقيع وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس ونظيره القطري خالد العطية، الخميس الماضي، اتفاقاً تبيع بموجبه الولايات المتحدة قطر مقاتلات «أف-15»، في صفقة بلغت قيمتها 12 مليار دولار، بحسب ما أعلن البنتاغون.
وعلى المستوى السياسي، ألغى وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مشاركته في اجتماع منظمة الدول الأميركية الذي يعقد الأسبوع المقبل في المكسيك، مفضّلاً البقاء في واشنطن والتركيز على أزمة الخليج. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن تيلرسون «سيواصل جهوده لخفض التوتر في منطقة الشرق الأوسط، من خلال اجتماعات يعقدها شخصياً ومناقشات هاتفية مع قادة الخليج والمنطقة».

قلق أفريقي

وفي ما يعكس مخاوف بشأن امتداد الأزمة الخليجية إلى مناطق أخرى، سواء في الشرق الأوسط أو حتى القرن الأفريقي، أعرب الاتحاد الأفريقي، أول من أمس، عن قلقه من أن يؤدي التوتر الناجم عن عودة الخلاف على أراض بين جيبوتي وإريتريا، إثر إعلان قطر، يوم الأربعاء الماضي، سحب جنودها المنتشرين في القطاع المتنازع عليه بين البلدين الجارين. والجدير بالذكر أن لإريتريا وجيبوتي علاقات جيدة مع السعودية والإمارات، وانحازتا إلى موقفهما في الأزمة الحالية.