حينما كان التعويل على الشهور بعد انتخابات رئاسة الجمهورية في الخريف الفائت، قيل إن الوقت متّسع الى أن تجاوزت البلاد موعد دعوة الهيئات الناخبة في شباط وعدم صدور مرسوم الدعوة. وصلت من ثم الى 12 نيسان يوم استخدم رئيس الجمهورية ميشال عون المادة 59 لتجميد انعقاد مجلس النواب، فقيل إن احتساب المهلة لا يزال متاحاً بالأسابيع. عندما بات الجميع أمام 7 حزيران موعد بدء العقد الاستثنائي للمجلس، كانت ثمة بارقة أمل في إقراره للفور في مجلس الوزراء والبرلمان، لكن ثمة مَن ظل يقول إن الوقت لا يزال يحتمل تأخير التوافق.
بعد إهدار الشهور، في الاسبوع الاخير المتبقي من ولاية مجلس النواب منتصف ليل 19 حزيران، بدأ الكلام عن أن الساعات المقبلة كفيلة بإنجاد الافرقاء للتوصل الى القانون الجديد. إذا تعذر إقرار مجلس الوزراء مشروع القانون غداً، ما يجعله متعذراً أيضاً الاقرار في مجلس النواب الجمعة بسبب سقوط مهلة الساعات الثماني والاربعين الواجبة لطرحه في جدول أعمال كل منهما، لا يعود أمام البرلمان سوى خيارين فقط: أن يلتئم فعلاً الجمعة ويقفز من فوق مهلة الساعات الثماني والاربعين الملزمة، تالياً الاستغناء عن جدول الاعمال، بطرح اقتراح قانون معجل مكرر بالقانون الجديد، أو يفعل ذلك السبت أو الاحد حتى، إذا تعذر كذلك استدراك مجلس الوزراء إقراره الخميس أو الجمعة، فيصل البرلمان الى الاثنين المقبل، اليوم الاخير في ولايته القانونية، ويفعل ذلك كله في يوم واحد بات في منتصفه تقريباً: يقرّ القانون الجديد للانتخاب، من ثم يحال الى رئاسة الجمهورية كي يصدره الرئيس ويأمر بنشره في الجريدة الرسمية في ملحق خاص للحال، خارج الموعد التقليدي للنشر كل خميس، ويسري مفعول القانون الجديد فوراً، قبل الوصول الى الساعة الصفر من منتصف ليل الاثنين/الثلثاء.

حتى منتصف ليل
الاثنين، الوقت كاف
لمزيد من الشروط والشروط المتبادلة ومناورات التفاوض


في صباح 20 حزيران، يفيق النواب على ولاية ثالثة قانونية تستمر بضعة أشهر، ريثما يدعى اللبنانيون الى الانتخابات النيابية العامة.
بذلك تنتهي الفصول المرعبة، الممزوجة بالتهريج، في رواية وضع قانون جديد للانتخاب قبل أن يهبط الفراغ، ومن دون أن يفقد مجلس النواب شرعيته، فيستمر بعد انتهاء مفاعيل العقد الاستثنائي كي ينتظر عقداً استثنائياً آخر في مرحلة جديدة.
واقع الامر انه لم يعد في الامكان ابصار خاتمة الفصول هذه، الا بالطريقة تلك. استنفاد الوقت حتى الرمق الاخير، في الساعات القليلة الاخيرة وليس اليوم الاخير فحسب، من نهاية ولاية البرلمان كي يُسحب من نفق الفراغ. تالياً الوقت متاح بعد ويحتمل مزيداً من الشروط والشروط المتبادلة ومناورات التفاوض التي لا تزال كلها ــ ما لم تجتز البلاد عتبة 19 حزيران ــ تحت سقف القانون.
ورغم ان البلاد خبرت الشغور الرئاسي ثلاث مرات أعوام 1988 و2007 و2014، وخبرت إهدار شهور في تأليف الحكومات بدأ بالمدد غير المسبوقة مع الحكومة الاولى للرئيس سعد الحريري عام 2009 التي تطلبت 135 يوماً، ثم من بعده حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 تطلب تأليفها 139 يوماً، ثم من بعده حكومة الرئيس تمام سلام ذي الرقم القياسي عام 2014 تطلبت عشرة أشهر وتسعة ايام، الا انها المرة الاولى في تاريخ البرلمانات اللبنانية المتعاقبة يصل تعذر اجراء الانتخابات النيابية ليس الى مدة الشهرين الاخيرين من الولاية، المنصوص عليهما في المادة 42 من الدستور، بل الى الربع الساعة الاخير من نهاية الولاية القانونية حتى، فإذا البرلمان على وشك الدخول في اول فراغ ــ وليس شغوراً ــ للسلطة الاشتراعية في تاريخها.
للمرة الاولى ايضاً يستغرق وضع قانون جديد للانتخاب خمس سنوات قبل التوصل اليه، منذ اول بحث فيه عام 2012 وتعاقب لجان عدة على هذه المهمة. بل الاغرب ان الافرقاء رفضوا اجراء انتخابات نيابية عامة وفق قانون نافذ منذ عام 2008 وأحجموا في الوقت نفسه عن الاتفاق على آخر بديل بغية تفادي ولوج هذا الاستحقاق.
بعض حالات عرفها لبنان عن قوانين انتخاب مبكرة كقانون 1950 اجريت على اساسه انتخابات 1951، وقانون 1999 اجريت على اساسه انتخابات 2000، وقانون 2008 اجريت على اساسه انتخابات 2009، وقوانين انجزت قبل ثلاثة اشهر من موعد الانتخابات كقانون 1960 الذي وضع في نيسان واجريت الانتخابات على اساسه في تموز. في الدورات الثلاث التالية استقر القانون نفسه. اول نموذج سيّئ ابتكره السوريون ابان وجودهم في لبنان عام 1992، بوضع قانون للانتخاب قبل شهر واحد من يوم الاقتراع. نشر في 22 تموز، وذهب الناخبون الى الصناديق في 23 آب. لم يكن قانون 1996 احسن حالاً. نشر قبل خمسة ايام فقط من موعد الاقتراع. بعدما صدر في 11 تموز قبل 40 يوماً، طعن فيه عشرة نواب فأبطل المجلس الدستوري مواد فيه في 7 آب. عاد مجلس الوزراء الى إقراره معدلاً في 9 آب، ومجلس النواب الى التصويت عليه في 13 آب، ونشره في الغداة، فإذا الدورة الاولى بعد اقل من اسبوع.
أما القانون المرتقب، الغامض المصير حتى الآن على وفرة المناخات الايجابية بتوقّع ابصاره النور في اليومين المقبلين، فهو لا يشبه أياً من قوانين الانتخاب التسعة التي سبقته على التوالي منذ الاستقلال. إلا أنه بالتأكيد يشبه الطبقة السياسية الحالية التي وضعته.