الموسم السوري هذا العام ليس معطوباً فقط، بل يحقّق رقماً قياسياً في نسبة الدخلاء الذين سمحت لهم ظروف الحرب التسلل إلى الشاشة والتحوّل إلى «ممثلين» أو «ممثلات» من دون أن يجدوا عاقلاً واحداً من حولهم يخبرهم، بأنّ مهنة التمثيل موهبة قبل كل شيء، وغالباً لا تكفي هذه الموهبة وحدها لصناعة ممثل محترف يقطف حضوراً لدى الشارع، بل تلزمه دعامات مهمة على رأسها الجهد والعمل على الذات والكاريزما وخفة الظلّ.
عسى أن يضيف هذا العاقل، بأنّ التمثيل ليس فقط حفظ حوارات، وترديدها بطريقة مدرسية أمام الكاميرا، ولا بعرض الأزياء لمجموعة ثياب نوم وملابس رياضة وفساتين سهرة، ولا بتحقيق رقم قياسي في عمليات التجميل... إلى أن ممثلة سورية معروفة أطلّت في مسلسل «حكم الهوى» (ريم عثمان ومحمد وقّاف، الفضائية السورية – تلفزيون «الآن») وأرادت أن تصنع لنا ردّ فعل حزيناً بدرجة عميقة يوضح حجم تأثرها بفسخ خطوبتها مع حبيبها. فجرّبت قدر الإمكان أن تحرّك شيئاً في وجهها، علّه يترك انطباعاً حسياً، ولو لأداء بلاستيكي، فعجزت! ببساطة، غلبها السيلكون!. عصرت روحها لتنزيل دمعة، فخانتها أدواتها. هنا، لم تجد حلاً تعبيرياً سوى بفتح فمها، وتحريك لسانها! ربما صفّق لها المخرج والكاست الفني الرفيع على المشهد المعبّر.
على المنوال ذاته، يجب أن يعرف الطلاب والمطرودون من «المعهد العالي للفنون المسرحية» الذين نالوا فرص ظهور تلفزيونية، أنّ هذه المؤسسة لا تخلق الموهبة، بعيداً عن المحسوبيات، والوساطات الهائلة المتعلقة بفحص قبول الطلاب. فالمعهد وُجد ليدعم تلامذته، ويضع إمكانياتهم في القالب الأكاديمي الصحيح، إن هيّئ له كادر تدريسي مناسب، وكان في أفضل أحواله، فإنه سيصقل مواهب مريديه حتماً. أما إذا وصلت الأمور لأن يستّل طالبان السكاكين على بعضهما في قاعة التدريب، كما حصل قبل فترة في أروقة الجامعة التي خرّجت أهم نجوم سوريا، ثم تعجز الإدارة عن إيجاد حل لدفعة لم تصل إلى حافة التخرج إلا نتيجة أخطاء تدريسية متراكمة، فهذا يعني أنه حتى المعهد لم يعد يعوّل عليه.
كذلك، لا بد أن يهمس أحد في أذن مقدمات البرامج، أن مهنة آل باتشينو تختلف جذرياً عن الإعلام. من الأفضل أن يقتنع عدد كبير من الوافدين حديثاً إلى عالم التمثيل بأنّ المقاهي، وإن كانت روح المدن، لا تصنع نجوماً، ولو جلس ممثل عشريني جديد على طاولة وصاح «أنا أفضل من تيم حسن» ثم صفّق له أصدقاؤه من مجايليه! التمثيل ليس تقمّص الشخصيات ومحاكاة الطبيعة فحسب، بل هي مهنة الخفة، التي تفوق معطياتها فعل السحر، وينتظر منها صناعة الدهشة. على صاحبها أن يبذل جهوداً تتعدّى الاعتيادي والمتاح، ليلتقط شخوصاً عابرة أمامه في الحياة والفنّ والأدب، يعجنها وفق مخيلة كاتب حقيقي لا مجرّد سارق، وبناء على رؤية مخرج مثقّف لا منفّذ إنتاج جلس وراء المونيتور. على أن يُعيد تقديمها بطريقة مبتكرة، ترسمها مقترحاته الشخصية، وشغله على عوالمها النفسية الداخلية أوّلاً، ثم هيأتها البرّانية.