وضعت الحرب أوزارها. خفتت كلّ الأصوات وبقي صوت مدريد يصدح. العاصمة الإسبانية تواصل زعامتها لأوروبا بلقب ثانٍ على التوالي في دوري الأبطال في إنجاز لم يحققه أيّ فريق سابقاً في النسخة الحديثة للبطولة، تماماً كإنجاز الألقاب الـ 12 القياسية في "التشامبيونز ليغ" التي تعج بها خزائن النادي.
هي ليلة من ليالي الأحلام عاشها ريال مدريد في كارديف السبت. بالأبيض كان الريال ملكياً، وبالبنفسجي (خاض به المباراة) ظل ملكياً. لعله الانتصار الأروع الذي يحققه الريال في مباراة نهائية، إذ أن يفوز على يوفنتوس الإيطالي صاحب القوّة الدفاعية المرعبة برباعية لهدف، فهذا غير قليل على الإطلاق ولا يحصل إلا نادراً.
أشياء كثيرة يمكن الخروج بها من نهائي كارديف الذي كان على قدر التطلعات والآمال، إذ عاش متابعو البطولة ختاماً يليق بها ومباراة رائعة في نسقها على مدار الشوطين. هي قمة بين فريقين كبيرين لم تخل من المفاجآت. إذ إن من تابع الدقائق الـ 45 الأولى لم يكن ليتصوّر أن تنتهي المباراة 4-1، حيث قدّم "اليوفي" أداء قوياً ترجمه بالضغط العالي وعدم الحرص الدفاعي، على عكس ما كان متوقعاً ويمكن تلخيص أدائه بالهدف الخيالي الذي سجله الكرواتي ماريو ماندزوكيتش بلعبة أكروباتية خلفية مدركاً التعادل. بدا من خلال تلك الدقائق أن "البيانكونيري" عازم على اللقب ولن يتنازل عنه رغم أنه تلقى الهدف الأول على عكس مجريات المباراة عبر البرتغالي كريستيانو رونالدو من تسديدة بعد سلسلة تمريرات.
غير أن الأمور انقلبت رأساً على عقب في الشوط الثاني، حيث بدا الملكي كأنه فريق آخر إذ هيمن بشكل كامل على الملعب وأجبر "اليوفي" على العودة إلى منطقته فارضاً سيطرته على وسط الملعب ومهاجماً منطقة خصمه بشراسة من كافة الجهات فنتج عن ذلك ثلاثة أهداف سجلها البرازيلي كاسيميرو ورونالدو مجدداً والبديل ماركو أسينسيو كانت كفيلة بالقضاء على يوفنتوس وقتل حلم حارسه جيانلويجي بوفون الذي كان يسعى جاهداً لإحراز اللقب للمرة الأولى في مسيرته.
فعلاً غريب ما حصل في هذه المباراة وتقلّباتها. غريب أن ينهار "اليوفي" بتلك الكيفية رغم القوة التي أظهرها على مدار البطولة الرائعة التي قدّمها غير أن خاتمتها جاءت حزينة. غريب أو ما لا يصدَّق أن يتلقى يوفنتوس 4 أهداف في مباراة واحدة مقابل 3 أهداف في 12 مباراة في البطولة!
ولعل ما يمكن قوله هنا أن الريال أثبت مجدداً أنه فريق المباريات النهائية والبطولات والذي يعرف كيف يصل إلى الانتصارات مهما كانت الظروف والصعوبات، وهذا ما يؤكده هدفه الافتتاحي عبر رونالدو رغم أن يوفنتوس كان الطرف الأفضل ومن ثم عودته القوية في الشوط الثاني.
وبطبيعة الحال فإن العديد من المنتصرين خرجوا من موقعة كارديف، ويأتي في مقدمهم رونالدو الذي كان بطل النهائي عن استحقاق بتسجيله الهدفين الأول والثالث مُظهراً مجدداً حاسّته التهديفية العالية وقدرته الفائقة على اقتناص الأهداف في التوقيت المناسب. ما هو لافت في هذا النجم أنه رغم تخطيه 30 عاماً وتحقيقه لقب دوري الأبطال 3 مرات (قبل لقب كارديف) والكرة الذهبية 4 مرات، فإنه لا يزال يمتلك الحافز والطموح لتحقيق المزيد، وهذا واضح من تسجيله 10 أهداف منذ ربع النهائي أمام بايرن ميونيخ الألماني بعد أن كان قد سجل في دور المجموعات ودور الـ 16 هدفين فقط ليتوَّج هدافاً للبطولة. لا يزال رونالدو يبدو كشاب يافع يقاتل بكلّ ما أوتي من قوة لإثبات نفسه وتحقيق حلمه. هذا الحلم الذي يبدو أنه أصبح على موعد مع كرة ذهبية خامسة يعادل بها غريمه الأرجنتيني ليونيل ميسي نجم برشلونة.

ختام يليق بالبطولة الرائعة توّجه الريال بفوز كبير 4-1


المنتصر الثاني هو بالتأكيد المدرب الفرنسي زين الدين زيدان الذي منح مدريد في ظرف عام ونصف بعد توليه المسؤولية ما لم تكن تتخيله بلقبين في "التشامبيونز ليغ" ولقب في "الليغا" فضلاً عن لقب مونديال الأندية، ليصبح أول مدرب يفوز بدوري الأبطال مرتين متتاليتين في الشكل الجديد للبطولة والثاني في التاريخ بعد الألماني ديتمار كرامر مع بايرن ميونيخ عامي 1975 و1976.
ما قدّمه "زيزو" لريال يفوق الوصف فعلاً حيث أثبت هذا المدرب قدرته على القيادة تحت الضغط. زيدان وبعد أن سحر العالم بمهارته على العشب الأخضر ها هو يسحره بكفاءته التدريبية على خط الملعب، وهذا ما كان واضحاً السبت عندما قدّم وصفته السحرية للاعبيه في الاستراحة ما بين الشوطين ليخرج الريال في الشوط الثاني بصورة البطل المفترس الذي لا يعرف إلا لغة الفوز.
الإضافة الثانية التي قدّمها زيدان وبدت نتيجتها في النهائي تكمن في استراتيجيته الذكية بإراحة العديد من مفاتيح لعبه في مباريات عدة هذا الموسم، ما أبقى الفريق بحالة استعداد بدني عالٍ وهذا ما غلب به يوفنتوس في النهائي رغم أن الإيطاليين يشتهرون بهذه الميزة. كذلك فإن "زيزو" أصاب في رهانه على بعض اللاعبين الذين اكتشفهم واعتمد عليهم وخير دليل على ذلك تسجيل كاسيميرو الهدف الثاني وأسينسيو الهدف الرابع.
النجاج الذي أصابه زيدان يصبّ طبعاً في مصلحة رئيس الريال فلورنتينو بيريز الذي يمكن اعتباره المنتصر الثالث، بعد أن وضع كامل رهانه على الفرنسي رغم التخوّف الذي أبداه كثيرون من هذه التجربة التي كانت مجهولة قبل عام ونصف وأصبحت مضيئة الآن.
هكذا، كتب ريال مدريد قصة جديدة خيالية في سجلّه الحافل. عاصمة الإسبان في قمة فرحتها الآن بحكمها أوروبا للعام الثاني على التوالي والثالث في أربعة أعوام. إنه، لا شك، زمن مدريد.




تورينو تعيش الرعب وتنجو من الكارثة

لم تكتفِ مدينة تورينو الإيطالية بأن تعيش ليلة حزينة بعد خسارة فريقها يوفنتوس نهائي دوري أبطال أوروبا، بل عاشت رعباً ومأساة حقيقية، حيث جُرح أكثر من 1500 شخص، ثلاثة منهم إصاباتهم خطرة، خلال تدافع نجم عن حالة هلع بين حشد تجمّع في ساحة سان كارلو في وسط المدينة لمتابعة المباراة، كما أعلنت السلطات المحلية.
وقال مراسلو وكالة «فرانس برس» إن حالة من الفوضى اندلعت قبل عشر دقائق من انتهاء المباراة. وسادت موجة من الهلع بين الحضور بعد إطلاق ألعاب نارية، بينما كان شخص أو أكثر يصرخ قائلاً إن قنبلة انفجرت، ما أثار حالة ذعر في صفوف الحشد.
وتشير حالة الهلع إلى تأثير الهجمات الإرهابية التي وقعت في أماكن عامة في أوروبا والمشاكل التي يواجهها منظمو التجمعات الكبيرة بعد اعتداءات باتاكلان (في العاصمة الفرنسية) ومانشستر وباريس.
وذكرت وسائل إعلام محلية أنّ فتىً في السابعة من العمر دخل في غيبوبة بسبب إصابته بجروح خطرة في الصدر بعدما داسه الحشد.
وبعد دقائق من التدافع، كانت الساحة مغطاة بالحطام والبقايا والأحذية والحقائب وغيرها من الحاجيات التي تركها أصحابها على عجل، وفق الصور التي عرضتها شاشات التلفزيون.
وأشارت إحدى وسائل الإعلام الإيطالية إلى أنَّ حالة الهلع التي سادت ذكّرت عدداً من مشجعي يوفنتوس الحاضرين بكارثة هيسل في بلجيكا عام 1985، حيث حصل تدافع أدى إلى مقتل 39 شخصاً معظمهم من الايطاليين، وجرح 600 شخص آخرين، وذلك خلال المباراة النهائية بكأس الأندية الأوروبية البطلة (دوري الأبطال حالياً) بين يوفنتوس وليفربول الإنكليزي.