لم تنتعش الحركة، بعد، في الدكان الواقع على الطريق المؤدّي إلى المسبح الشعبي في عدلون، كما جرت العادة مع اقتراب الصيف. يصعب على صاحبته التكهّن بمصير «الموسم» لهذا العام. هي وزوجها يتركان سكنهما في وسط البلدة، وينتقلان للإقامة طوال الصيف قرب البحر للاستفادة من حركة رواد المسبح الشعبي المعروف بـ«المينا».
أسباب عدة تجعلهما قلقين على مصدر رزقهما. لدى زيارتنا، كان بحر عدلون أحمر. الأمواج والرياح العاتية التي هبّت الشهر الجاري أدت، مرتين، إلى كسر حافة السنسول الذي يستمر إنشاؤه ضمن مشروع «مرفأ نبيه بري للصيد والنزهة». الأمواج جرفت الصخور والأتربة نحو الميناء الذي بات يقع ضمن السنسول، وعكّرت صفو مياهه. أما الشاطئ الرملي فحوّلته الشركة المتعهدة إلى «باركينغ» لعشرات المكعّبات الاسمنتية الضخمة.
يوضح أحد حرّاس المشروع أن المتعهد سيزيل «البلوكات» على نحو تدريجي لاستخدامها في دعم جوانب السنسول. لكن إزالة «البلوكات» لا تبدد القلق. تخشى السيدة من تأثير المشروع على حركة الرواد الذين يبدأون عادة بالتوافد في شهر نيسان. المطاعم والاستراحات التي كانت تواكب تلك الحركة لا تزال مقفلة. الأشغال لم تؤثر على موسم الصيف الماضي لأنها كانت في بدايتها. اليوم، بلغ طول السنسول المنجز 600 متر. الأعمال الميدانية تنذر بمصير أسوأ للمسبح الشعبي. بحسب الخريطة الأولية، يقع المسبح خارج حرم المرفأ. إلا أن تسريبات عاملين في المشروع تشير إلى أن السنسولين اللذين يضمهما المشروع سيزنّران المسبح الشعبي ويحوّلانه إلى بحيرة شبه مقفلة. ردم أكثر من 160 ألف متر من البحر سيكون له تداعيات بيئية سلبية. وبحسب رئيس جمعية «الجنوبيون الخضر» هشام يونس، فإن الأشغال تتسبب في تدمير معالم المسطحات الصخرية التي تميز بحر عدلون والكائنات التي تعيش فيها. ويوضح «أن الوحول والأتربة تلحق أضراراً واسعة بالموائل البحرية وتحجب الضوء وتقضي على العديد من النباتات والفطريات والعوالق والكائنات البحرية». عليه، وعلى نحو تدريجي، يُتوقّع أن يتحول المسبح الشعبي إلى بركة طحالب كبيرة!

يعتاش كثيرون
على حلم المرفأ وأقصى طموح البعض أن يفتح «فان إكسبرس» عند مدخله!


أين نسبح؟

تبلغ مساحة الواجهة البحرية لعدلون حوالى تسعة كيلومترات. خليج «المينا» الذي تقل مساحته عن كيلومتر واحد، كان الوحيد الذي بإمكان المواطنين الوصول إليه بسهولة. مصدر بلدي سابق أوضح أن رئيس البلدية السابق حمزة عبود استحصل خلال ولايته (2004 ــــ 2010) على موافقة النائبة بهية الحريري بالسماح باستخدام أرض داخل بستانها للوصول إلى شاطئ «الزيرة». فيما رفض أصحاب البساتين الأخرى إعطاء حق المرور للوصول الى الملك البحري العام، علماً بأن لبحر عدلون مخرجين رسميين نحو البحر بحسب خريطتها العقارية: الميناء وأبو العواميد (الواقع ضمن إحدى الملكيات الخاصة). عام 2008، قدم عبود إلى وزارة الأشغال مقترحاً لتطوير مسبح «المينا» ووصله بشاطئ «الزيرة» عبر جسر ترسو عنده زوارق الصيادين. ونص المقترح على أن تتولى البلدية شراء خمسين زورقاً مع مستلزمات الصيد كاملة ليستفيد منها 150 شخصاً من أبناء البلدة من الصيادين والعاطلين من العمل الراغبين في امتهان الصيد. ورغم أن المدير العام للنقل عبد الحفيظ القيسي «أعطى موافقته الأولية أثناء تفقده الموقع المقترح، إلا أن المشروع الذي حددت البلدية كلفته بـ 400 ألف دولار، نام في أدراج الوزارة»، بحسب مصدر مواكب.
عند بدء العمل بالمرفأ قبل أكثر من عام، أكد رئيس بلدية عدلون السابق سميح وهبي أن المسبح الشعبي «لن يمس. والبلدية ستفتتح مسبحاً شعبياً آخر خلف السنسول الرئيسي في منطقة الزيرة، بإمكان الرواد الوصول إليه عبر أرصفة المرفأ». لكن شاطئ «المينا» كان يجذب الرواد بسبب طبيعته الرملية وقربه من الطريق العام، بخلاف «الزيرة» الصخري والضيق. اليوم، مصير «المينا» مجهول، فيما البلدية انفرط عقدها باستقالة أكثر من نصف أعضائها، بعيد انتخابها بسبب خلافات على هوية الرئيس.

سياحة أم نفط؟

«المنطقة ماتت». بحسرة، يجزم الناشطان حسين إبراهيم ومهى وهبي اللذان أخفقا مع الهيئات الشبابية في عدلون في وقف مشروع المرفأ. كالكثير من أبناء البلدة، لا يعرف الشابان وجهة الاستخدام الحقيقية للمشروع، وعما إذا كان فعلاً للصيد والنزهة كما يشير الاسم. يشيران إلى ضخامة الإنشاءات التي لا توحي بمرفأ لزوارق الصيادين واليخوت السياحية. ينقلان ما يهمس به كثيرون بأنه «سيستخدم في المستقبل قاعدة لوجستية لحقول النفط في البحر»، لافتين الى سجل عدلون النفطي براً وبحراً. في مقابل تأكيدات القيّمين على المشروع بأنه يعني الصيادين، تؤكد وهبي أن عدد الصيادين في عدلون لا يتجاوز العشرين، منهم اثنان فقط يملكان «فلوكة» ترسو في ميناء الصرفند أو الغازية أو صور. يقول ابراهيم: «لو كان الهدف تنمية عدلون، لكانت الدولة أنشأت مصانع ومشاريع زراعية لتشغيل أبنائها الذين يعمل معظمهم أجراء يوميين في البساتين المحيطة والورش»، مشيراً الى عشرات العائلات التي تعتاش من العمل في الزراعة لدى مالكي البساتين في الواجهة البحرية أو في معملي البطاطا والعصير في سهل انصارية.
في عدلون الفقيرة، يعتاش كثيرون على حلم المرفأ. أقصى طموح البعض أن يفتتح «فان إكسبرس» عند مدخله أو أن يعمل حارساً أو عامل نظافة وصيانة لليخوت.

يتوقف يونس عند الرؤية التنموية للدولة من المرفأ. يقول إن «المكونات المهنية والعمالية هي في الواقع المزارعون وليس الصيادون. سهل عدلون أهم السهول الساحلية في الجنوب تعتاش منه مئات العائلات. فهل مرفأ بهذا الحجم يفيد هذه الشريحة؟». برأيه، الأجدى تنموياً «مشروع يدعم الزراعة وينظر في تحديات الماء والتلوث ودعم للصيادين بمرفأ صغير صديق للبيئة بعيد عن واجهة عدلون التاريخية وشاطئها الشعبي وبعد دراسة أثر بيئي شاملة».




محمية عدلون: حماية ما تبقى

صمد مشروع المرفأ أمام كل الاعتراضات؛ قرار وزير البيئة السابق محمد المشنوق بوقف الأشغال في المرفأ وتحفظ وزير الثقافة السابق روني عريجي لعدم إجراء تقييم أثر بيئي ومسح أثري قبل البدء بالتنفيذ وحملات المجتمع المدني الرافضة. رغم ذلك، لم تعلن جمعية «الجنوبيون الخضر» الهزيمة أمام الجرافات التي تنهش شاطئ عدلون. قدمت مقترحاً لحماية ما تبقى من الشاطئ يقوم على إعلان جزء منه محمية طبيعية ضمن الملك العام الواقع بين حدود الملكيات الخاصة والموج. بحسب الناشطة آية عبود، قدمت الجمعية إلى وزارة البيئة نهاية عام 2014، طلباً بإعلان عدلون محمية شاطئية. وأرفقت الطلب بخرائط وتقارير وأبحاث محلية ودولية تظهر أن الشاطئ يضم آثاراً فينيقية وأنه موئل للسلاحف البحرية وللتنوع البيولوجي والنباتي. الشاطئ المنوي حمايته يمتد على طول خمسة كيلومترات من أصل تسعة، يبدأ من جنوب المرفأ من شاطئ الزيرة باتجاه شواطئ مغارة الصيادين وخليج أبو الزيد. لا تهدف الجمعية إلى إقفال الشاطئ أمام الرواد، بل إلى تحويله إلى محمية بمشاركة المواطنين، وتقسيمه إلى جزء سياحي للسباحة بديل من مسبح الميناء وآخر مخصص للسلاحف وحديقة نباتية. تشدد عبود على ضرورة فصل حدود المرفأ عن باقي الواجهة البحرية وتشكيل لجنة إدارية للمحمية، وخصوصاً في ظل غياب البلدية، تتولى المحافظة على نظافة الشاطئ وتنظيم الوصول إليه عبر فتح ممر سهل وآمن، ومنع تحويل قنوات الصرف الصحي نحو البحر. وأكدت عبود أن وزير البيئة الحالي طارق الخطيب يتابع الملف إدارياً، مبدياً موافقته على المقترح.





بيع وشراء على حدود المرفأ

الأحلام المتواضعة لأهالي عدلون بالاستفادة من المرفأ، تقابلها حركة شراء كبيرة يشهدها ساحل البلدة. البساتين المحيطة بالمرفأ انتقلت ملكيتها في الأشهر الأخيرة. بحسب مصادر مواكبة في البلدية السابقة، فإن عقارين تفوق مساحتهما 400 دونم انتقلت ملكيتهما من ورثة الرئيس رفيق الحريري إلى أفراد من آل بري، علماً بأن لآل بري ملكيات متفرقة على طول الواجهة البحرية منذ سنوات. أحد العقارين يخضع لأعمال الضم والفرز، على أن يعرضه مالكه للبيع بعد تقسيمه إلى عقارات صغيرة، علماً بأن بلدية عدلون السابقة بدأت منذ عام 2012 بتعديل تصنيف العقارات المحيطة بالمرفأ من زراعي إلى سكني.
لكن من المستفيد؟. إنهم أصحاب الملكيات الكبيرة. أما الأهالي، فهم مهددون بإزالة بيوتهم ومحالهم الملاصقة لحرم المرفأ لأنها إما بنيت خلافاً للقانون فوق خط السكة الحديدية أو فوق ملكيات خاصة.