ساعات قليلة فصلت بين اختتام الفعاليات، التي أقامها ذوو أسرى وناشطون فلسطينيون، يوم أمس، في خيمة «الحرية والكرامة» داخل قرية عارة، مسقط رأس عميد الأسرى وأحد المضربين عن الطعام وقادته كريم يونس، وبين إحراق سياراتهم المركونة أمام منازلهم.
أمّا السؤال حول من حرق سياراتهم، فتجيب عنه جدران الباحة حيث ركنت السيارات. إذ رُشت بكتابات تدعو إلى الانتقام، حاملةً توقيع عصابة «تدفيع الثمن» الصهيونية، بالإضافة إلى كتابات أخرى مثل «الموت للعرب»، و«سلام من المبعدين»، في إشارة واضحة إلى عناصر من العصابة كانوا قد أبعدوا عن القدس أو الضفة المحتلتين بسبب جرائم ارتكبوها، وذلك في إطار «العقاب» المخفف الذي تقدمه لهم المحاكم الاسرائيلية.
جريمة عصابة «تدفيع الثمن» لم تكن مفاجأة لأهالي منطقة وادي عارة الواقعة في الأراضي المحتلة عام 1948، ليس لكونهم خبروا أحداثاً كثيرة من اقتحامات المستوطنين بلدتهم، واعتداء سلطات الاحتلال عليهم أثناء التظاهرات، ولا لأنها تأتي في خضم إضراب الأسرى الذي يمثل الأسير يونس أحد قادته، وإنما لأنها أتت بعد أيام على تقديم نائب رئيس الكنيست، بتسلئيل سموتريتش، ما أطلق عليه «خطة الحسم».
الخطة عرضها سموتريتش خلال اجتماع عقد بين قادة وحاخامات الصهيونيّة الدينية، ونصت على مبادئ للتعامل مع كل الفلسطينيين الموجودين في «أرض إسرائيل» استناداً إلى التوراة، وذلك عبر ثلاثة اتجاهات: الأول هو إبقاؤهم في الأرض مع إعطائهم مكانة «مقيم» وليس «مواطنة»، أي بوضعية قانونية أقل من اليهود، والثاني إخراجهم من «أرض اسرائيل»، أما الثالث، فهو يأتي بعد مقاومة «الخيارات» السابقة، وينص على التصرف معهم بعنف، «فالحرب هي الحرب» كما أوضح صاحب الخطة، النائب عن «البيت اليهودي»، بتسلئيل.
لذلك، رأى عضو الكنيست والنائب عن «القائمة العربية المشتركة» جمال زحالقة، أن «جريمة حرق السيارات في بيت عصام يونس الواقع في حارة المسقاة داخل قرية عارة، هي حلقة جديدة في جرائم تدفيع الثمن»، معتبراً أن «المشكلة ليست في الإرهابيين الصغار الذين نفذوا الجريمة، بل في الحكومة ورئيسها، وفِي التحريض العنصري الرسمي الذي يترجمه صغار العنصريين إلى أفعال إرهابية».
زحالقة، وهو عضو في حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» أيضاً، كان قد زار أمس موقع الجريمة، ووجه خطاباً إلى الأهالي دعا فيه إلى «تصعيد النضال في وجه التصعيد العنصري، والسياسات التي تتبعها الشرطة الإسرائيلية بترك عناصر تدفيع الثمن من دون عقاب».
من جهة أخرى، رأى سكرتير حركة «أبناء البلد» في عارة، لؤي الخطيب، أن «مجموعات اليمين الصهيوني التي ارتكبت الجريمة في بلدته هي نفسها من يقود الحكومة الإسرائيلية، التي تشن حرباً على الإنسان والأرض والمسكن، وكذلك على الروح والهوية الفلسطينية المتجذرة بالسكان الأصليين». وشدد سيف على أن «الإرهاب هو الطريقة الوحيدة التي تتعامل فيها هذه الحكومة وعصاباتها مع الفلسطينيين... لكننا نحن من سيُدفعهم الثمن هذه المرّة».
تأتي الجريمة بعد تقديم سموتريتش «خطة الحسم» المستمدة من التوراة


في غضون ذلك، أرسل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، استدعاءات للتحقيق، إلى عشرات الشبان والشابات من قرية عارة، بحجة «قطعهم طرقاً رئيسية من خلال تنفيذ وقفات وتظاهرات تضامنية مع الأسرى، إضافة إلى تعريض حياة أشخاص للخطر بسبب إغلاق الطرق».
من بين هؤلاء، كانت الشابة سوار أبو عقل (18 عاماً)، التي شرحت لـ«الأخبار» أن «مجموعة من الشباب الناشطين في وادي عارة تلقت استدعاءات من الشرطة، لكنها كانت استدعاءات مبطنة بحيث نصت على أنها استدعاء من شرطة السير (علماً بأن معظم من استدعي لا يملكون رخص قيادة، ولذلك لا إمكانية لارتكاب مخالفات مرورية)».
وأضافت أبو عقل: «خلال التحقيق تبين أن الحديث لا يدور عن مخالفة سير، وإنما عن عمل سياسي تحاول الشرطة تجريمه بنعته باللاقانوني»، مشيرةً إلى أنها «سُئلت عن هذه التظاهرات ومنظميها، وهُددت بالمساس بمستقبلها الشخصي (الوظيفة والتعليم وغيره) قبل أن تغرّم بدفع 500 شيقل (150 دولاراً أميركياً)».
بالعودة إلى الجريمة التي ارتكبت في قريتها أمس، قالت أبو عقل إن «وادي عارة بوصلة أساس في إضراب الكرامة، ومركز أحداث مهمة... هذه الأعمال للضغط ومحاولة لخلق بلبلة وإثارة الخوف»، مضيفة أن «هذه الممارسات غير الطبيعية باتت طبيعية بالنسبة إليهم، فهي تحدث يومياً وخاصة في المناطق التي تحدها مستوطنات».
أما هيلين محاجنة، التي استدعيت أيضاً للتحقيق، فأكدت في اتصال مع «الأخبار»، أن «التحقيق لم يجره عناصر شرطة، إنما الشاباك الذي حاول تخويفها وثنيها عن النشاط التضامني مع الأسرى». وأضافت محاجنة أن التحقيقات كانت «محاولات لترهيبنا والضغط على أهلنا وعلى منظومتنا المجتمعية، وذلك بالقول إن ما نفعله من شأنه أن يمس مستقبلنا».