في عرسال، أنامل لم تيأس من النول و«السدو»، ومن عُقد «كباكيب» الصوف المغزول. عند حدود السلسلة الشرقية، عشر نسوة آلين على أنفسهن إعادة الروح إلى «تراث عرسالي» مهدد بالإندثار. الحرفة التي وصلت إلى عرسال، منتصف القرن الماضي، من بوابة جارتها الفاكهة (البقاع الشمالي)، شهدت ازدهاراً ورواجاً كبيرين قبل أن تتراجع في العقدين الماضيين لأسباب مختلفة، تبدأ من ندرة المراعي وقطعان الماشية لتأمين الصوف، ولا تنتهي عند بغياب الدعم الرسمي.
محاولات عدة من أبناء البلدة لإحياء هذه «الصنعة» باءت بالفشل. «التنمية الريفية»، إحدى الجمعيات التي جهدت لإعادة بث الروح فيها عبر دورات تدريبية وتقديم انوال لصبايا البلدة ونازحات سوريات، اصطدمت بعوائق عديدة منها «ساعات العمل المضنية مع ضعف الإمكانيات وغياب الدعم، وإحجام السوق الداخلية عن شراء السجاد، وعدم توافر سوق تصريف»، بحسب رئيس الجمعية محمود الفليطي.
لكن مركز «حرفة وتراث» الذي أسسته 10 صبايا عرساليات نجح، إلى حد ما، في إحياء حياكة السجاد والبُسط. استخدمن براعتهن ومهاراتهن في استعمال «سدو» القطن والصوف في حياكة البسط الملونة. إحداهن تشرح أن حياكة السجاد على النول وبالإعتماد على سدو القطن والصوف «امتهنها آباؤنا وأجدادنا، وكانت مصدر رزقهم، ونسعى للمحافظة عليها بعدما تحولت فولكلوراً». تستعين بالمثل الشعبي «صنعة بعقاقيد» للإشارة الى العوائق التي تواجههن، كصعوبة تأمين الصوف والصبغات وغياب الدعم وضعف التصريف. رغم ذلك، «يزول كل العناء والتعب مع رؤية قطعة أنيقة وجميلة تنال إعجاب الجميع».
الإحجام عن شراء السجاد لارتفاع أسعاره وثقل وزنه، دفع نسوة مركز «حرفة وتراث» الى التركيز على حياكة البُسط بقياسات تبدأ من متر وتصل الى مترين ونصف متر، وبأسعار مقبولة تراوح بين 100 و250 دولاراً، بحسب الاشكال والتصاميم. علماً أن هناك طلباً من مؤسسات تجارية في بيروت على البسط لرخص سعرها ولرواجها كديكور منزلي، فيما حياكة السجاد باتت «على الطلب».
في نيسان الماضي، أهدى الرئيس سعد الحريري، أثناء زيارته لألمانيا، المستشارة أنجيلا ميركل سجادة من صنع نساء عرسال. الخطوة أثلجت قلوب كثيرين في البلدة الحدودية يأملون أن تتبع مبادرة رئيس الحكومة إجراءات فعلية على الأرض لدعم هذه الحرفة وإعادة إحيائها. «لماذا لا تُفرش مكاتب الوزراء بالسجاد والبسط العرسالية بدلاً من التباهي بحرفة على شفير الزوال؟»، يسأل الفليطي. حتى الآن، لا بوادر على ذلك. وفي انتظاره، تواصل الصبايا العرساليات نسج الوانهن، على أمل بأن غد هذه الحرفة سيكون أفضل.