لا شيء يشغل النائب وليد جنبلاط هذه الأيام أكثر من قانون الانتخابات، وخيبته بالرئيس سعد الحريري. «البيك مجروح» على حدّ زعم الأصدقاء المُشتركين بينهما.
أيّ تفاصيل توِجع «أبو تيمور» أكثر؟ المنابر وقضية الدم المشتركة منذ عام 2005، أم المسار والمصير اللذان لم يعودا واحداً؟ أيُّهما يؤثّر فيه بقدر أكبر، تنكّر رئيس تيار المُستقبل للحلف المقدس الذي جمع والده (رفيق الحريري) بجنبلاط وتفضيله للخصم المشترك، أم اقتصار دائرة حلفائه على شخص وحيد هو الرئيس نبيه برّي؟ في كل الأحوال، يلتزم الرجل الصمت، ويُلزم به كل «جماعته» بتعميم صارم: «التعرّض للرئيس الحريري وتيارِه ممنوع».
مسيرة جنبلاط إلى جانب الحريري لم تكُن دائماً سمناً على عسل، رغم متانة ما جمعهما. لم تبلغ ولم تصِل الى درجة القطيعة يوماً، رغم مرورها فوق فوالق عديدة، كان أقساها حسم جنبلاط معركة الحكومة عام 2011 لمصلحة الرئيس نجيب ميقاتي. لكنها تأخذ اليوم منحى سلبياً لا ينفيه الطرفان، بعد أن أصبح الخلاف بينهما على «الجوهر»، كما قال الوزير غازي العريضي منذ نحو شهر. والجوهر هنا يرفعه جنبلاط إلى مصاف «صراع البقاء ومصير الجبل» الذي لن يفرّط فيه بأي ثمن.
لم يكُن جنبلاط بعيداً عن صورة ما يحدُث خلف كواليس الحريري، ولا عن خيوط العلاقة التي تُنسج بدقّة مع التيار الوطني الحرّ، لكنه ظنّ سقفها محدوداً ببعض الملفات. أما أن تنسحب هذه الخصوصية على علاقة المستقبل والاشتراكي، فهو ما لم يبلعه جنبلاط، خصوصاً عندما تصل الأمور إلى قانون الانتخابات. الرجل ببساطة لم يعُد يعنيه أن يستظلّ بلقب بيضة القبان، بقدر ما هو خائف على دوره كممثل لأقلية. هذا الخوف الذي لم يأخذه الحريري في الاعتبار حين قرّر دعم القانون التأهيلي الذي يطرحه الوزير جبران باسيل!
لم يستَسِغ الاشتراكيون تأييد الحريري لهذا القانون الذي سيلتهمهم حتماً، بفرضه على الناخب الدرزي الوقوف متفرجاً على «جيرانهم» في الجبل وهم يؤهّلون من يريدونه، قبل إشراكهم في التصويت في المرحلة الثانية، ما خلق عندهم نقمة لا تنفكّ تتردّد على لسان كل زوار كليمنصو والمختارة.

الاشتراكي: نختلف مع الحريري على «مسألة مصيرية لا عابرة»

منذ ذلك الحين، طاول الفتور علاقة جنبلاط بالحريري، ودفع بالأول إلى نقل رسالة إلى بيت الوسط عبر العريضي خلاصتها أن «لا أحد يُفاوض باسم جنبلاط، ومن يُرِد التفاوض فالبيك حاضر شخصياً لهذه المهمة». وزادت النكسات واحدة مع فتح ملف مجلس الشيوخ الذي أكد جنبلاط في رسالته أن رئاسته «من حقنا»، وكان ردّ الحريري بأنه غير راغب في اتخاذ أي خطوة تستفزّ التيار الوطني الحر و«الفريق المسيحي». وقد كان هذا الجواب كافياً لخلق واقع جديد في العلاقة بين «المُستقبل» و«التقدمي الاشتراكي» مختلف عمّا كان، وجعل الاشتراكيين في موقع المتلقي للصيغ الانتخابية، مع محاربة أي قانون من شأنه ألا يتماهى ومزاج البيك.
يرفُض الجنبلاطيون التعليق على حاضر العلاقة الثنائية ومستقبلها، لأن البيك «لا يريد التطرق إليها». لكنهم يختصرون المشكلة بأنها تكمُن في قانون الانتخابات ولا شيء آخر. لماذا يسير الحريري عكس التيار معكم؟ «عليه هو أن يُجيب. نحن لا نملك تفسيرات، ولا نُطلق تحليلات. ما نعرفه أنه اتخذ خيارات لا تناسبنا. نحن نختلف على مسألة مصيرية لا عابرة. لا يمُكن لأحد أن يتصرف وكأنه يضمننا في جيبه بحكم العلاقة». على كل حال «لا أحد يستطيع كسر أحد»، و«النائب جنبلاط يلتزم الهدوء، رغم الجرح الكبير»، لسبب واحد أن «بيت الحريري عزيز، هو مدين لنا ونحن مدينون له، وإن اعتدنا الخلاف في كثير من الأحيان». ما هو المطلوب؟ ماذا يريد جنبلاط؟ «نحن لا نطلب أكثر من إدراك أننا مؤتمنون على طائفة بأكملها. والجميع يعلم بأن جنبلاط غالباً ما يتخطّى التجاوزات في سبيل الوصول إلى حلول». ما يؤكده الجنبلاطيون أن «الخلاف لا يمُكن أن يؤدي إلى مكان»، وليعلم الجميع أن «قانوناً من دون رضى وليد جنبلاط لن يكون، وليس في الأمر مسايرة له، بل لأننا سنواجه أي قانون لا يتناسب وهواجسنا». في انتظار ولادة القانون المرجوّة، وفي ظل ارتفاع حظوظ الستين، أين يُصرف هذا الكلام وهل يبدّد التخوف الاشتراكي من تحالف عوني – مستقبلي – قواتي؟ بحسب هؤلاء «ميزان الربح والخسارة في قانون الانتخابات لم يعُد في حساباتنا، نحن نريد عدالة تمثيل».
قد لا يكون عند جنبلاط نيّة للكلام في إطار دفاعه عن «حصته» في البرلمان والنظام، لكنه لا يزال لديه باب وحيد مفتوح لا يُمكن أن يقفل، يعوّل عليه دائماً، هو باب عين التينة. وربمّا يرى أن هذه هي النقطة الوحيدة التي يتفوّق فيها على الرئيس الحريري في هذه المرحلة، كون برّي «شريكاً لعّيباً، والتحالف معه فيه متعة وخبرة ووطنية يفتقدها حلفاء الحريري الجدد»، يقول اشتراكيون.