صحا أستاذ عبقر ذات صباح، واكتشف، أنّه يحب فلسطين. يا خبر أبيض! قبل أن يفرشي أسنانه حتّى، قرّر، كي يشحذ همّته، الاستماع إلى نشيد «محدثي العروبة»! لا تحدد الحكاية إن كان عبقر بات يحسن الولوج إلى يوتيوب من تلقاء نفسه، أو أنّه طلب المساعدة.
كل ما نعرفه أن الجيران، مع طلوع الضوء، ظنّوا أن الحرب اندلعت، إذ سمعوا مراراً وتكراراً، نشيد محمد فليفل الشهير، من كلمات ابراهيم طوقان، لكن بصيغته التي استحدثتها إليسا، ديفا الـ «نيو-عروبة»: «موْتِني، موْتِني/ الجلالُ والجمالُ/ والسناء والبهاءُ/ في رباك… في رباك». ثم أخذ يكتب كالممسوس. بسحبة واحدة، دبّج رسالة حبّ إلى زملائه ورفاقه المجتمعين في «ملتقى الرواية». من يقرأ الرسالة تصفعه درجة الصدق العالية فيها، ويلمس كم كان القهر يعتمل في قلبه لحظة الكتابة، وكم كادت تخنقه الحسرة. «ليتنا كنا معكم» صرخ عبقر الذي لم يفته أن يحيّي أسرى الكرامة في سجون الاحتلال. يا أخي لا تسخر، هذه قفزة نوعيّة. على الأقلّ، الصبي لم يعد يردد: «لن يبقى فلسطيني على أرض لبنان».
كم كان يتمنّى الرفيق عبقر لو أنّ الطريق سالكة أمامه إلى رام الله، كما في فيلم نادر لروي ديب («مونديال 2010»). كان سيمتشق جواده الأبيض ويمضي إليها. في الحقيقة هو معتاد على طريق البحرين، حيث تحجب عنه «الاحداث الثقافيّة» الكبرى، صراخ الناس في الشوارع والسجون والمقابر. وهذه المناقبيّة العالية، كان ينوي تطبيقها على فلسطين. لكن القوانين اللبنانيّة المتخلفة، تحول دون تحقيق جموحه القومي. ثم، لو ذهب، من سيردّ عنه الارهاب الذي يحاصر المناضلين الأحرار من أمثاله في بيروت، إذ يعتبرون اسرائيل دولة جوار، لا ضير من أن نفتح لحضارتها الفكريّة والاقتصاديّة مكتباتنا وجامعاتنا وشاشاتنا وأسواقنا؟ يعرف الجميع أن هدفه الوطني النبيل من زيارة رام الله، هو «كسر عزلة الفلسطينيين»، لكن من كان ليوقف نباح الظلاميين، ويحميه من حملاتهم المسعورة؟ «عبقريتو» يملك قلماً ساخراً، موجعاً، وهو كما نعرف مثقف نقدي، ولا تنطلي عليه الأكاذيب. ولم يتوانَ عن تعرية هؤلاء الفاشيّين الذين يرفعون لواء مقاومة «التطبيع الثقافي»، ويريدون رمي إسرائيل في البحر، فيما هم في الحقيقة لا يفعلون سوى مساعدتها!
عزيزي عبقر، ليس هناك إلا طريقة واحدة لحب فلسطين، وللتضامن مع شعبها المشتت على درب الجلجلة. أوّلاً، أن ترفض التحوّل إلى شاهد زور على «حضارة» قاتلنا. ثانياً، أن تقاطع الاحتلال وبضائعه. ثالثاً، أن تدعم الكفاح المسلّح فوحده يعدنا بالعودة إلى فلسطين. رابعاً، أن تنحني أمام قبر الشهيد باسل الأعرج، المثقف المشتبك الذي سلّمته السلطة المشبوهة، راعية «ملتقى الرواية»، إلى قاتله الاسرائيلي. الباقي ورع كاذب. كل الطرق الأخرى ـــ عبقريتو ـــ تفضي إلى لعق حذاء الجندي الاسرائيلي. عذراً على هذا الإرهاب.