بدأ أخيراً عرض وثائقي Tickling Giants (يمتد على 111 دقيقة) في الولايات المتحدة الأميركية في صالاتٍ محدودةٍ. يتناول الفيلم الذي قامت بإخراجه الأميركية سارة تاكسلر قصة حياة «جون ستيوارت مصر» الإعلامي المصري باسم يوسف إبان ما عرف بالربيع العربي.
طبعاً يمتلئ الفيلم بالكثير من الحكايا والقصص لصعود يوسف الصاروخي من لا شيء إلى تقريباً «صوت النقد المصري» الوحيد إبان الثورة وما بعدها خلال حكم الرئيس المخلوع الإخواني محمد مرسي وصولاً حتى العصر الحالي للرئيس السيسي عبر تتبع خطواته برنامجه الشهير «البرنامج». وكان الفيلم قد عرض العام الفائت في «مهرجان ترايبيكا للأفلام الوثائقية». لم يحصل الفيلم على جائزة آنذاك، لكنه بالتأكيد حقق ضجةً كبيرة لسببين أولهما ظهور جون ستيوارت كضيف شرف به، وثانيهما الضجة المصاحبة لباسم يوسف أينما حل.

تقنياً يبدو الفيلم مقتاتاً على قصة صعود يوسف الصاروخية. يستفيد من لقاءات حدثت معه في السابق وخلال تلك المرحلة من الزمن. من لا يعرف يوسف شخصياً يتعرض بسهولة لـ «حرفة» يوسف الكبيرة، إذ إنه يمكن القول بأن كل ما يفعله الرجل هو «أداء»، فهو لا يخرج من شخصيته حتى إبان التصوير «المباشر» معه. شخصية باسم يوسف الفنية هي كل ما يملكه لذلك فإنه يستغلها في كل الأوقات، تبدو حالة يوسف أشبه بالمصارعين المكسيكيين المقنعين (Mascrade LUCHA LIBRE) (masked wrestlers) إذ لا يخلع هؤلاء أقنعتهم حتى في حياتهم الخاصة واليومية، حتى إن بعضهم طلب بأن يدفن وهو مرتدٍ قناعه، لأن هذا القناع هو وجهه الحقيقي. يجهد يوسف لتقديم نفسه دائماً على أنّه ذو سلوك يومي شبيه بستيوارت، مع تجنبه منطقية الفارق بين الإثنين القادمين من عالمين مختلفين.

كما أشرنا، فإن الفيلم يتناول قصة يوسف و«يبهّرها» كثيراً. يتناول تعرض يوسف للقمع، للملاحقة القانونية، للتهديد بالقتل، وهي كلّها أمور حقيقية، لكنه يتجنب تماماً الإجابة على أسئلة من نوع: من أين أحضر يوسف فريق الإعداد الضخم حوله؟ كيف استطاع في أول الأمر أن يزور جون ستيوارت؟ مع العلم أنّ الفيزا إلى أميركا لمصري تحتاج جهداً جباراً، فكيف إذا كانت فيزا ومقابلة مع ستيوارت؟ لم يجب الفيلم على ذلك. بدا الأمر بسيطاً وقابلاً للحصول بسهولة بالغة. في الإطار عينه، مدح الفيلم يوسف كثيراً، وامتلأ بتعبيرات من نوع: «باسم يوسف هو أشهر رجل في مصر»، «40 بالمئة من السكان يشاهدونه»، أضف إلى أنّه أعطاه مسحةً «رسالية» إلى حدٍ ما من خلال جمل من نوع: «إن البرنامج يدور حول محاسبة السلطة، بغض النظر عمن يكون فيها» (والصورة كانت لمشهد من مسجد وهناك شخص يصلّي). وليس هناك أدنى شك أن يوسف موهوب حقاً، وأنه يجيد حرفته كثيراً، ولربما استطاع أن يفعل ما لم يفعله كثيرون سواء عالمياً أو عربياً، لكن عادة الوثائقي أن يميط اللثام عن شيءٍ ما، هذا الوثائقي لم يفعل. في الإطار عينه، «طبّل» للتجربة كثيراً، بسطها وجعلها قابلةً للحدوث في أي ظروفٍ أخرى مع العلم أن تجارب كثيرة كهذه حدثت في مصر، لكنها لم تنل ضجة تذكر (من يعرف «جو تيوب» مثلاً؟). تحاول المخرجة تاكسلر تقديم يوسف على أنّه «ضحية» و«بطل» في الوقت عينه وهذا قد يكون حقيقياً إلى حدٍ ما، لكنها تتجنب تماماً الحديث عن التجربة في حد ذاتها: كيف نجحت فعلياً، ولماذا؟ هل مجرّد أنها كانت مضحكة وضد النظام جعلها «متفوقة» إلى هذا الحد؟ باختصار قد يكون هذا الوثائقي مميزاً للغرب، لكنه في بلادنا لا يجيب على شيءٍ أبداً، فنحن كنا شهوداً على التجربة كما على الثورة المصرية في حد ذاتها، لذلك تبقى أسئلتنا من دون إجابات.