القاهرة | وصلت صراعات الأجهزة المحيطة بالرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مرحلة «استعراض العضلات» ومحاولات الاستحواذ التي لا تتوقف، وهو ما ظهر بوضوح مرتين في أقل من أسبوع واحد. وقد أصبح جزء من الحكومة شريكاً في هذه الصراعات، حيث يحاول رئيس الحكومة انتزاع صلاحياته مجدداً، بعد تهميش تعرض له في مناسبات عدة بخلال الأشهر الماضية، كان قد فضّل فيها التزام الصمت مع تصاعد الانتقادات للقرارات الاقتصادية التي اتُّخذت بداية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
خلال أسبوع فقط، غيّر نواب البرلمان مواقفهم مرتين للنقيض بشكل كامل. خطوة عكست التوجيهات الشديدة اللهجة التي وصلت من الأجهزة والارتباك الذي ساد مع مناقشة قوانين مفصلية سيُعمَل بها في خلال الفترة المقبلة. ودخل صراع الأجهزة في هذه المناقشات بوضوح، ما أجبر النواب على الموافقة على قوانين هتفوا ضدها قبل ساعات قليلة فقط داخل قاعة مجلس النواب.
وفي تفاصيل ما جرى، فقد غيّرت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر بنحو واسع في قانون الاستثمار، بعد فوزها في معركتها الأولى عندما أطاحت وزيرة الاستثمار السابقة من منصبها، واتُّخذ قرار بدمج هذه الحقيبة مع وزارتها لتكون مسؤولة عن ملف المستثمرين إلى جانب القروض. لكن التعديلات الواسعة أغضبت رئيس الحكومة شريف إسماعيل، في ما يتعلق باللائحة التنفيذية عندما منحت الوزيرة نفسها حق إصدار اللائحة الخاصة بالقانون والتعديل عليها، وهو ما وجد فيه إسماعيل تهميشاً وإبعاداً له عن الملف بنحو كامل. هذا الأمر دفعه إلى التواصل مع المخابرات العامة وإبلاغهم باستيائه مما حدث وأجبر البرلمان على إدخال تعديل يجعل حق إصدار اللائحة لرئيس الحكومة.
تُلقَّب نصر في الوزارة بـ«المرأة الحديدية» ويُقال إنها الشخصية الأقرب لخلافة رئيس الحكومة الحالي، لتكون أول سيدة في تاريخ مصر تتولى منصب رئيس الحكومة. لكن صراعها المعلن الأخير مع رئيس الحكومة قد يُنهي آمالها بعدما خسرت للمرة الأولى معركة معلنة من بين معارك عديدة خاضتها في خلال وجودها في الحكومة، تمكنت فيها بفضل الدعم المستمر وثقة القيادة السياسية بها بكسبها.
لا يختلف الموقف كثيراً، بالنسبة إلى تمرير البرلمان قانون «العلاوة الاجتماعية» لغير المخاطَبين بقانون الخدمة المدنية. البرلمان الذي رفض محاولات رئيسه علي عبد العال، تمرير هذا القانون بلا موافقة من الغالبية على رغبة الحكومة في حساب العلاوة التي ستصرف بأثر رجعي من أول تموز/ يوليو الماضي، هو نفسه من عاد ومرر القانون، وذلك بعد تهديد ممثل الحكومة بسحب مشروع القانون لعدم قدرة الحكومة على توفير الأموال التي يطلبها النواب للموظفين.
ولم يكن الخلاف بين الحكومة والبرلمان بسبب نسبة الزيادة التي أُقرت بعشرة في المئة، لكنها ارتبطت برغبة النواب في تمرير الزيادة على إجمالي الراتب، بينما تمسكت الحكومة بأن تكون الزيادة على الأساسي فقط، وهو لا يشكل في الغالب سوى أقل من 50% من الراتب الشامل.
تعليمات صارمة صدرت للنواب بين جلستي الاثنين والأربعاء من «جهات سيادية» بالموافقة على مشروع الحكومة. فبرغم أن الزيادة ستمس قطاعات عريضة في المجتمع، إلا أن الدولة ترى الزيادات كافية لمواجهة موجة التضخم المرتفعة وأزمة عدم وجود موارد مالية كافية، علماً بأن عدداً من النواب تغيّب عن جلسة الثلاثاء ولم يكتمل النصاب للتصويت، قبل أن يوافقوا في جلسة الأربعاء بـ420 نائباً ورفض خمسة وامتناع 15 عن التصويت. اتبع عبد العال بعد الانتقادات التي تعرض لها لمحاولة تمرير القانون من دون موافقة النواب، التصويت بالنداء الفردي، فكان الموقف مسجل على جميع النواب: الموافقون مرروا موافقتهم تحت ضغط العلن والتسجيل خوفاً من تحركات الأجهزة ضدهم لاحقاً، والمعارضة لم تحصل على فرصتها في مناقشة الحكومة التي خصصت بميزانية العام المالي القادم 65 مليار جنيه لبند «المصروفات الأخرى» بعد دعوتها المواطنين للتقشف.