تظهر أرقام جديدة أن 17% من مجمل «مهاجري» دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى فلسطين المحتلة، خلال سنوات التسعينيات ومنتصفها، غادروا «موطنهم الجديد»، وهاجروا مرة أخرى إلى دول غربية أو عادوا إلى دولهم الأصلية، وذلك ما أظهرته معطيات «دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية» أمس.
الأرقام نفسها تظهر أن الشبان المتحدثين باللغة الروسية، ممن هم في أوج فترة عطائهم وإنتاجهم، يفضلون اليوم ترك فلسطين المحتلة أكثر من شبان المجموعات المهاجرة من دول أخرى إلى إسرائيل، ويبلغ عدد هؤلاء ضعف اليهود المولودين في فلسطين والذين هاجروا منها أساساً.
في بيانات «الدائرة»، يظهر أيضاً أنه في السنوات بين 1990 ــ 1996 قدم من دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى فلسطين المحتلة نحو 650 ألف شخص، من بين هؤلاء 185 ألفاً كانوا دون سن العشرين عاماً، وهي الفئة التي يُطلق عليها «جيل 1.5».

ترفض الحاخامية
الاعتراف بيهودية الروس
من أبناءالأب اليهودي

لكن، من المعطيات الحديثة يتبين أن 32 ألفاً، أي ما نسبته 17% من «جيل 1.5» تركوا إسرائيل. أمّا نسبة «المهاجرين» الروس إلى فلسطين المحتلة، ثمّ منها، فهي تتراوح بين 11% - 13%، في حين تصل نسبة الذين ولدوا في فلسطين خلال سنوات 1970 ــ 1995، ثم هاجروا منها، إلى 5%. كذلك يتبين أنه بين 1990 ــ 2014 هاجر نحو 300 ألف شخص دون العودة إلى فلسطين، من بينهم 38% روس.
في هذا السياق، نقلت صحيفة «هآرتس» عن الخبير الديموغرافي الإسرائيلي سيرجيو ديلا فيرغولا، قوله «من غير الواقعي أن نتوقع أن يأتي الجميع إلى هنا ولا يغادر أحد، فنحن نتحدث عن بشر يسعون إلى العمل وكسب الرزق والتأقلم والعيش بسعادة». وأوضح أن «الهجرة المرتفعة بين جيل 1.5 هي نتيجة لضيق سوق العمل، مقارنة مع المستوى التعلمي الجيد في إسرائيل».
فيرغولا، وهو أستاذ في «الجامعة العبرية» في القدس المحتلة، ويتابع «هجرة اليهود» ساعياً إلى التخفيف من «خطورة» هذه الظاهرة بالنسبة إلى إسرائيل، رأى أن «نسبة المهاجرين الروس غير اليهود من إسرائيل مرتفعة جداً»، عازياً السبب «إلى تشدد الحاخامية في إسرائيل التي لا تعترف بيهودية هؤلاء، لأنهم لم يولدوا من أم يهودية، أو لأن والدهم فقط أو جدهم يهودي». ووصف سياسة الحاخامية بأنها «سياسة تهويد انتقائية ومتقاعسة»، لأنه وفق المعطيات بلغ عدد غير اليهود بموجب الشريعة اليهودية بين «المهاجرين» الروس في التسعينيات حوالى 11.2%».
لماذا يهاجر هؤلاء؟ يقول الباحث في معهد «بروكديل»، ميخائيل بيليبوف، إن هناك سببين مركزيين لهجرة «جيل 1.5». السبب الأول يتشاركون فيه مع مجمل الشبّان في إسرائيل، وهو أن «الطبقة الوسطى الإسرائيلية تعاني غلاء المعيشة»، شارحاً أن «واقع عائلات المهاجرين معقد، إذ تحتاج العائلات الشابة إلى الدعم من أهلها الذين بدورهم يحتاجون إلى الدعم أيضاً».
أمّا السبب الثاني، فهو «عدم فصل الدين عن الدولة، وعدم وجود زواج مدني في إسرائيل، فضلاً عن كون المهاجر يشعر بانتماء أقل تجاه الدولة التي يولد ويكبر فيها»، لأن «العلاقات العائلية التي تجذبه إلى البقاء تكون أقل، كما أن التجارب التي خزّنها خلال تأقلمه في الدولة الجديدة قد تكون مؤلمة نتيجة شوقه إلى وطنه الأم وصعوبة اعتياده الثقافة الجديدة».
من جهة أخرى، لفتت «هآرتس» إلى أنه رغم غياب معطيات حديثة حول المستوى العلمي للمهاجرين من إسرائيل، فقد دلت بحوث للجامعة العبرية على أن ظاهرة «هرب الأدمغة» بين الروس ارتفعت بصورة ملحوظة. في هذا السياق، يوضح بيليبوف، وهو متخصص أيضاً في ظاهرة «الهجرة» إلى فلسطين المحتلة في التسعينيات، أن «المهاجرين من إسرائيل يتميزون بملامح معينة، فهم في غالب الأحيان شبّان متعلمون».
أمّا أستاذة العلوم الاجتماعية في جامعة بار إيلان، لاريسا رمنيك، فرأت أن هجرة «جيل 1.5» هي «مشكلة قومية كبيرة»، لافتةً إلى أن «إسرائيل لا تبذل جهوداً كافية بهدف إبقاء الشبان الموهوبين والمتعلمين الذين استجلبوا إلى هنا من خلال استثمار موارد كثيرة». وأوضحت رمنيك أن «إسرائيل صرفت طاقات هائلة في تنظيم الهجرة إليها عبر بحثها عن يهود وأنصاف وأرباع يهود في زوايا روسيا الكبرى». وبرغم ذلك «عندما وصل هؤلاء، تركتهم يقارعون وحيدين لإبقاء رؤوسهم فوق الماء».
وفي حديث إلى الصحيفة نفسها مع دانيل طكاتس، وهو واحد من الشبان الروس الذين غادروا فلسطين المحتلة إلى غير رجعة، وكان قد أتى إليها مع والديه عام 1992، يقول إنه «بعد مرور 13 عاماً على وجوده في إسرائيل، أي عندما أصبح عمره 26 عاماً، وكان قد أنهى دراسته، قرر الهجرة إلى ألمانيا».
ويضيف طكاتس: «لقد اندمجت في كل الأمور، لكنني لست يهودياً، كل شيء كان يذكّرني بأنني لست يهودياً... هذا الأمر سبّب لي شيزوفرينا، صراع يلاحقني حتى اليوم، الشعور بأنني لست أنا في الحقيقة. هذا شيء داخلي يصعب العيش معه». ويختصر السبب لهجرته، قائلاً: «هربت من إسرائيل. هربت ببساطة بسبب انعدام المستقبل».