في ظلّ الأحاديث عن خصخصة الإعلام السوري وبدء استثمار مباني القنوات التلفزيونية والإذاعية التي تغلق تباعاً، تطفو إلى السطح تسريبات جديّة عن نية بيع 49 في المئة من قناة «سوريا دراما» إلى رجل الأعمال والمنتج السوري محمد قبنّض. يُحكى بأنّ الأخير يبيع بضاعته بأسعار مؤذية للمنتج الوطني، لكنها تحقّق له التوازن والاستمرار وفق منطقه الخاص!
هكذا، تستمرّ أزمة التسويق بالنسبة للدراما السورية التي كانت السبب الرئيس لتهالك القيمة الفنية بالنسبة لهذه الحرفة. إلى درجة أجبرت فيه على الاستعانة بوجوه لبنانية لا تلعب أكثر من دور تجميلي مصطنع في غالبية الأحيان. إذ صارت نادين الراسي تقارن بسلافة معمار، وسيرين عبد النور تخلق أزمة في سوريا، ونادين نجيم تتقاسم المجد مع تيم حسن، ويتقدّم إسم نيكول سابا على كاريس بشّار!. باتت تعتبر نور شيشكلي وأسامة الحمد من صنّاع الألق!. من يدري إن ظلّت الأمور على ما هي عليه، قد يظهر علينا يوسف الخال أو طوني عيسى مثلاً ليقول أحدهما بأنه خليفة منطقي لممخضرمين راحلين أمثال خالد تاجا أو عمر حجو أو رفيق السبيعي! على أي حال، يعرف بعض المنتجين والموزّعين اللبنانيين على قلّتهم، بأنّ الأصل بالنسبة إلى الفن التلفزيوني ينبع من الشام، وأن الرغبة الخليجية كانت أكثر من «ظاهرة وقحة» همّها تدمير هذا المنجز. أحد هؤلاء الموزّعين المثقفين هو جمال دوبا، الذي لا يتوقّف عن زيارة دمشق، ولا يتوانى عن تقديم خبرته كشريكة فعلية بالنسبة للدراما السورية الصالحة للتسويق أيضاً. قبل أيّام، زار دوبا «عاصمة الأمويين». إنتبهت قناة «سوريا دراما» لأهمية الرجل وضرورة الاحتفاء به إعلامياً، فأحالته لأحد أبرز مذيعيها سومر إبراهيم (الصورة) ليجري معه لقاء خاصاً أعده وقدّمه إبراهيم من داخل «دار الأوبرا» السورية، وأخرجه سليمان طوفان (يعرض الليلة 21:30 على القناة). دار الحوار بصيغة عميقة حول مشاكل التوزيع في الدراما حيث حكى بطريقة مثقفة تختلف جذرياً عن الأسلوب الذي عرف عن منتجي وموزعي الدراما العربية عموماً من دون أن يستثمر لقاءه ولو لمجرّد الإشارة إلى مشروعه «كنفا» الذي يشتغل عليه منذ سنوات مع السيناريست السوري محمد ماشطة. إنطلق من الحديث عن مهنة الموزّع والمعايير التي تتواجد فيه، ومرّ بلمحة تاريخية على مهنة التوزيع، بدءاً من النصف الثاني لخمسينيات القرن الماضي، وصولاً لما هي عليه الحال اليوم، إضافة إلى بلوغ عدد المحطات العربية عما يزيد عن 729 قناة، فضلاً عن السلايدات الإذاعية والمحطات الأجنبية التي تبث بنسخ عربية.
في الحوار، فنّد دوبا الظروف التي تأثرت بها الدراما السورية، منذ لحظة فقدها لسوق العرض المحلية، حتى أصبحت فيه دراما مشاكسة في بيئة راكدة تخلو من الإشكالية، إضافة إلى تحرّر الدراما المصرية وانطلاقها مجدداً، وإنتهاء بارتهان الدراما السورية للخليج، وحالة العتب على الخليج الذي قرّر سلفاً أن يطيح بمضامين القيمة الهامة للصناعة الرائجة. كذلك كشف بأرقام تقديرية تقارب إلى حدّ كبير الواقع الفعلي، ما يخصّ اقتصاد السوق الدرامية، والأرقام المدفوعة من المحطات السورية التي لا تزيد عن ألف دولار أميركي للحلقة الواحدة، في حين يبلغ سعر الكلفة للعمل المصنوع بجدية ما يقارب كحد أدنى 700 ألف دولار أميركي. يختم المنتج حديثه بمثال صريح عن دراما سورية خالدة صنعت بأبسط المعدّات والتقنيات وما زالت تحقّق عروضاَ قوية وجماهيرية بمسلسل «حمّام الهنا» الذي يعتبر بأنه نموذج مكثّف يختصر قواعد أنظمة الربح العالمية التي تنطلق من قاعدة بأنّ المال ليس المهم، إنما العمل هو الأهم. هي القاعدة ذاتها التي انطلق منها المسلسل الكوميدي البارع في رحلة بحث غوّار وحسني وأبو صيّاح عن الثروة المفقودة في إحدى الكراسي القديمة التي بعثرت في أكثر من مكان.