باتت القضايا التي يفترض بالمجتمع المدني وقواه التصدّي لها أكبر من أن تتم متابعتها بالطرق الفردية والتخصصية التقليدية. من قضايا المياه ومشاريعها الخطرة وغير الضرورية كالسدود المكشوفة، إلى قضايا الطاقة والخيارات الخطرة في التنقيب عن النفط والغاز والنفايات والمقالع والكسارات والمرامل وعشوائية عملها، إلى معامل الاسمنت إلى حماية الأملاك العامة من الاعتداءات، إلى حماية التنوع البيولوجي والشاطئ وقمم الجبال، إلى حماية المساحات الخضراء في المدن والقرى، إلى قضايا النقل، إلى مواجهة الهوايات المضرّة كإضرام النيران والصيد البري…
إلى الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة والطفل والتجارة غير العادلة وحقوق العمال وقضايا منح الجنسية والنزوح والانتخابات وقانونها وديمقراطيتها… وغيرها الكثير من القضايا المتفرقة التي باتت لا تعدّ ولا تُحصى، والتي تهتمّ بها منظمات وجمعيات لا تعدّ ولا تُحصى أيضاً.
ألم تلاحظ تلك القوى أن "الأرضية" التي تعمل عليها جميعها باتت مشلّعة كأن زلزالاً مدمراً ضربها؟ ألم تلاحظ التفكك في القيم وفي بنية الدولة الحاضنة التي لا بديل منها؟ ألم تلاحظ على نفسها أنها باتت تضيّع هويتها ودورها الرئيسي وتتحول إلى قطاع خاص ومتخصص صغير، يبغي المشاريع والربح، تماماً كأيّ قطاع خاص كبير يتحول إلى مافيا؟ ألا تحمل نفسها جزءاً من مسؤولية ما يحصل من تفكك وفساد في السلطة والمجتمع ومن انهيار في هيكل الدولة؟
ليس الوقت لفتح كل الملفات، ولكن ألم يحن الوقت للقيام بمراجعة عميقة للتجربة السابقة والإنجازات والإخفاقات؟ ألا يفترض أن تتغير المهمة والأهداف والدور مع كل التطورات التي تحصل، لا سيما مع ملاحظة انهيار هيكل الدولة على الجميع؟
ألم يحن الوقت لإعادة النظر باستنساخ مفهوم ودور "المجتمع المدني"، عن دول وثقافات وتجارب مختلفة، وإنتاج شيء جديد من تجربتنا وثقافتنا، والاستفادة من تجارب الآخرين؟
لا بد من خلفية فكرية جديدة وإطار تنظيمي فعّال، للخروج من الفوضى الاجتماعية الشبيهة بفوضى قوى السلطة التقليدية في أوجه كثيرة.
وبالمناسبة، لم يعد من معنى للاستمرار بهذه الحساسية المفرطة من تسمية حزب وايديولوجيا وتنظيم… على سبيل المثال. فكل هذه التعابير يمكن استبدالها أو إعادة تعريفها وصياغتها حسب متطلبات المشكلات والمستجدات والتجارب والعصر. وربما من هنا البداية. المهم فك العزلة التي تعيشها المنظمات الصغيرة (مع مشاريعها الصغيرة) والتطلع إلى المشكلات الكبيرة في المجتمع. وللوصول إلى ذلك، لا بد من فك عقد "العمل السياسي" أو العمل الفردي والتفردي… نحو بلورة أطر جديدة، فكرية وتنظيمية جديدة، قبل أن تتهم بالمساهمة في تحمل مسؤولية الانهيارات الحتمية الكثيرة القادمة، من الأجيال القادمة. وللحديث صلة.

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]