لم يستحِ معدّو مشروع القانون التأهيلي (المعروف باسم مشروع الوزير جبران باسيل الأخير) من أن قانونهم مجحفٌ بحقّ أكثر من 108 آلاف مواطن لبناني، محرومين من حقّهم في الاقتراع. جاء اعتراض حزب القوات اللبنانية على الصيغة، فقال عاقلون «فُرِجَت». لكن القوات، لم تستحِ بدورها.
ليس متوقّعاً أن تقف القوات عند طائفية مشروع القانون وتَخَلُّفِه، لكن على الأقل على الظلم والـ«لا مساواة» فيه. إلا أنها، بدل ذلك، اعترضت على «لبنان الكبير»!
يطالب القواتيون بنقل المقعد الماروني في دائرة بعلبك ــ الهرمل إلى جبيل، والمقعد الماروني في البقاع الغربي إلى المتن الشمالي، والمقعد الماروني في طرابلس إلى البترون. وعندما يحاججون، يتذرّعون بأن تلك المقاعد «تحت رحمة المسلمين»، وأن تحرير تلك المقاعد من «حكم الأكثرية» في الأطراف، لا يتمّ إلّا بنقلها إلى حضن «الأكثرية الأخرى»، في جبل لبنان... لبنان الحقيقي. ذرائع أقبح من ذنوب، وذنوب أقبح من خطايا. هللويا.

بدل إعادة المسيحيين إلى الأطراف مع مقوّمات «صمود»، يُراد تهجيرهم إلى الجبل

هل يتضمّن نقل النواب الموارنة إلى الجبل نقل الناخبين أيضاً؟ والسؤال هنا مفصلي. لأن الجواب يعني أمراً من اثنين، إمّا أن التاريخ يعيد نفسه بنفسه، وإمّا أن العقل السياسي الذي تمثّل القوات صلبه، لم يتعلّم شيئاً من تجارب التاريخ، على الرغم من الأثمان التي دُفعت، دماً ومالاً وتهجيراً وقهراً.
بعد الهجوم الإرهابي على بلدة القاع، لم يتأخر النائب أنطوان زهرا عن الظهور شاهراً سلاحه بحجة الدفاع عن البلدة. هللويا ثانية. تريد القوات الدفاع عن القاع، لكن لا تريد للقاعيين أن يتمثّلوا في مجلس النواب.
في الآونة الأخيرة، تجري عمليّة إخراج النيّات إلى الواقع. النيّات، هي أن يُفَرَّغ المسيحيون من الأطراف، إلى الواقع، أي نقلهم إلى الجبل، بدل إعادتهم إلى الأطراف ومعهم مشاريع سكنيّة وفرص عمل وكلّ ما يثبّتهم في قراهم، كَـ«كَفَّارة» عن قدرٍ من خطايا الحرب الأهلية. وهذا التهجير، على الرغم من الحرب الداخلية الشنيعة، لم ينجح، لأن بين المسيحيين من واجه التهجير، ثمّ دفع «دِيَّة» المارونية السياسية، مثل طوني فرنجية.
الآن، يراد للتهجير أن ينجح، لكن «على البارد». أن يتقوقع المسيحيون في «لبنان الصغير»، من كفرشيما إلى المدفون، بالقانون بدل الدم!
لمصلحة مَن إيقاظ العصبية المسيحية المتطرّفة، التي توقظ تلقائيّاً عصبيّات إسلامية مقابلة؟ ألم يكن ذبح الناس على حاجز المدفون سبباً من أسباب تهجير المسيحيين من طرابلس؟ ألم يكن تسلّح المسيحيين في البقاع الغربي ودفع بعضهم إلى أحضان إسرائيل، التي انسحبت وتركتهم، سبباً في إفراغ القرى من رجالها؟
هل هناك تهجير جديد وعلى الأهالي في القاع وراس بعلبك وعانا وصغبين ومنيارة وعندقت وبنت جبيل أن يقلقوا؟ فإمّا أن تكون مسيحيّاً من جبل لبنان وإما لا تكون؟ الجيّد، أن الشارع عاقلٌ أكثر من قياداته، وأن الذي دفع الثمن ليس كمن قبض، وأن في الكنيسة هذه الأيام من يحسب جيّداً مصلحة المسيحيين الحقيقية.
مرّة في الماضي، ناقش بشير الجميّل مع الوزير السابق ألبير منصور تجميع المسيحيين في «لبنان الصغير»، في حال فشل مشروع «الدولة» التي كان بشير حريصاً عليها على الـ10452 كلم مربّع، من وجهة نظره طبعاً. ناقش الرجلان فكرة بيع المسيحيين بيوتهم وأراضيهم وأملاكهم في الأطراف والانتقال إلى «المنطقة الشرقية». لكنّ منصور ذكّر بشير بمشكلة واحدة: قبور المسيحيين في قراهم. قبورهم منذ مئات السنين، وسأل: «ماذا نفعل بقبور آبائنا وأجدادنا؟ كيف ننقلها؟».