منذ نحو شهر، فوجئ أحد موظفي جريدة «النهار» بشطبه من صندوق الضمان الاجتماعي، وذلك في أثناء قيامه بإجراءات الاستشفاء لوالدته المريضة. اللافت أن الموظف، لم يكن مبلَّغاً بصرفه من إدارة المؤسسة التي يعمل فيها، لكنه كان بمثابة «إجازة إدارية»، شأنه شأن نحو 36 موظفاً أخبرتهم الإدارة في نهاية العام المنصرم بضرورة امتناعهم عن الحضور إلى مركز عملهم، وذلك إلى حين «معالجة الأزمة المالية التي تعانيها الجريدة منذ فترة طويلة»، على ألّا يُفسَّر طلب الإدارة بمثابة «صرفهم من العمل»، وفق ما يُشير نص الكتاب الموجَّه من قبل الإدارة إلى الصحافية مي عبود بتاريخ 30/12/2016.
في اتصال مع «الأخبار»، تقول عبّود إن الموظفين الذين طُلب منهم الامتناع عن حضورهم إلى عملهم تعرّضوا لـ«عملية احتيال» من قبل الإدارة، بالتواطؤ مع إدارة الضمان الاجتماعي، مُتسائلةً: «كيف يُشطَب الموظفون من دون أن يمضي الأخيرون على ترك العمل أو الصرف؟»، لافتةً إلى أن جميع الموظفين تفاجأوا أخيراً بخبر شطبهم من الضمان الاجتماعي منذ 31/1/2017، ومن دون إنذارهم.
يوضح المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي، لـ«الأخبار»، أن إدارة الضمان تتلقّى من المؤسسات تصاريح هي بمثابة «إعلام ترك»، تُفيد بأن الموظفين العاملين لديها تركوا عملهم، لافتاً إلى أن هذا التصريح «يلحظ بالمبدأ تواقيع الأجراء على المُستند». ولكن إذا لم يكن الموظفون على علم بتركهم من العمل أو شطبهم من الضمان الاجتماعي، فكيف بهم يمضون على تصاريح ترك العمل هذه؟ هنا، يجيب كركي بأن التدقيق في إمضاءات الموظفين ليس من مهمة إدارة الضمان، مُشيراً إلى أن المؤسسة هي المسؤولة بالمبدأ عن صدقية التصاريح التي تُقدّمها، ولافتاً إلى أن التفتيش حالياً في الضمان يبحث في شكويين مُقدمين من موظفين في «النهار» يقولان إنهما لم يوقّعا تصريح ترك العمل. من يبتّ بالشكويين؟ يُجيب كركي بأن الملف يذهب في ما بعد إلى القضاء؟
هذا الأمر يطرح مخاوف من إمكانية إرسائه كذريعة تُمكّن المؤسسات من شطب موظفيها من الضمان، وتثير تساؤلات عن الآلية الواجب اعتمادها في إدارة الضمان للتأكد من معرفة الموظف المسبقة بشطبه من الضمان وإقراره بترك العمل.

هناك مخاوف من إرساء واقع يُمكّن المؤسسات من شطب موظفيها من الضمان

تقول عبود إنه كان ثمة اتفاق بين محامي الجريدة ومحامي الموظفين يقضي بتعهّد إدارة الجريدة بـ«عدم المسّ بحق الموظفين في الاستفادة من خدمات الضمان»، إلى حين البتّ في قضيتهم. بحسب عبّود، إنّ الموظفين تعرّضوا لـ«الخداع» من المؤسسة مرتين، مرةً عندما تعرّضوا للابتزاز عندما أُجبر البعض منهم عن التنازل عن مطالبته بتعويضات الصرف التعسفي وأشهر الإنذار مقابل حصوله على رواتبه غير المدفوعة منذ نحو 14 شهراً، ومرة عندما شُطبنا من الضمان من دون علمنا.
حالياً، ومن أصل 37 موظفاً، هناك 27 منهم قبلوا بالتنازل عن المطالبة بتعويضات الصرف التعسفي مقابل قبضهم لرواتبهم المتأخرة، فضلاً عن تمكن أحد الموظفين من الحصول على «تسوية» أو اتفاق يقضي بقبض رواتبه مع أشهر الإنذار، ما يعني أن هناك حالياً نحو 9 موظفين فقط يخوضون معركتهم ضد إدارة الجريدة من أجل الحصول على حقوقهم. هؤلاء سيلجأون إلى مجلس العمل التحكيمي الذي سيبت في الدعاوى التي قدّموها، فضلاً عن إقدامهم على تقديم دعوى أمام قاضي الأمور المُستعجلة من أجل إلزام إدارة الجريدة بعدم دفع أي ديون مُستحقة عليها قبل أن تفي بدفع الرواتب، على اعتبار أن الرواتب هي «ديون ممتازة»، ولها الأولوية بين سائر الديون.
أين وزارة العمل من هذه القضية؟ بحسب مصادر الموظفين، فإن الأخيرين لا يُعوّلون على إنصافهم من قبل الوزير محمد كبارة، لافتة إلى أن رئيسة مجلس إدارة الجريدة نايلة تويني، كانت قد زارت كبارة، وهي تسعى، بحسب المصادر، «إلى إقناع الوزير بعدم الاعتراف للموظفين بأن صرفهم كان تعسفياً».