انطفأ أمس عماد جنيدي (1949 ــ 2017) في مدينة جبلة (اللاذقية)، في غيبوبة أخيرة، ذلك أن هذا الشاعر العدمي على عناد تاريخي مع الصحو، إنه نوّاسي آخر كطراز عيش. انسحب من الحياة العامة باكراً ليعيش صعلكة صريحة لا تخلو من شراسة. صديق أبدي للبحر ينصب فخاخه للأسماك الضالة، غير عابئ بالآخرين. سلوكياته النافرة قادته إلى عزلة اختيارية في سنواته الأخيرة بصحبة زجاجة عرق لا تفارقه.
قبل أن تشتد صعلكته، كان قد أنجز مجموعتين شعريتين لافتتين هما «صور السهل الأزرق» (1982)، و«قميص الخراب» (1984)، بالإضافة إلى عشرات القصائد الأخرى التي أهملها عامداً، إثر مصادرة الرقابة قصيدته «عرق» التي نشرت في مجلة «الناقد» البيروتية المحتجبة اليوم. عمل عماد جنيدي في الصحافة الدمشقية طوال فترة السبعينيات من القرن المنصرم، لكن المؤسسة الصحافية الرسمية لم تحتمل مسلكه وطيشه وصعلكته، فانسحب من صخب العاصمة إلى عزلة ريفية ومغامرات طائشة كترجمة ميدانية لقصائد لم يكتبها عن موته المؤجل. غاب عماد جنيدي من دون عكاز، أو المهماز الذي كان يطعن به طواحين الحياة الصارمة بعبثية مطلقة وثمالة متفردة.
للموقع