لا نحتاج إلى فرانسيس كوبولا في ابتكار نسخة ثانية من «القيامة الآن»، ولا إلى «البرتقالة الآلية» لستانلي كويبريك. لدينا ما يكفي من الخبرات المحليّة في صناعة الأشلاء والعنف والفوضى. أن نذهب إلى الموت بلا أكفان بحفنة من العظام والأعضاء المبتورة والصرخات المكبوتة، بما يزيد عن حاجة ماكينة الشاشات الجائعة إلى مذبحة لائقة بالدم السوري المهدور على هيئة خرائط قيد الإنجاز.
لا سجّل نفوس لهؤلاء الموتى. أرقام فقط في أسفل الشاشة لا تعني أحداً سوانا. مجرد دفعة على الحساب، ريثما تكتمل الوليمة الفاخرة. دمغة دم مستأجرة، ومافيات محليّة لنهب الأرواح، وأرشيف مذابح بالألوان الطبيعية. سينما جوّالة من أبعد قرية طينية إلى أقرب كهف لثيران الأسلاف، سينما تختزن أصناف الجثث. لكن إعادة الشريط في عروض متواصلة لم يعد يثير أحداً بما يحقق الدهشة، ولهذا السبب على وجه التحديد، يبتكر القتَلَة بين عطلةٍ وأخرى، أساليب جديدة لمضخة العنف والهلع والدم، كأن تلتصق بقايا اللحم/ الفحم، بالحديد، بمشاهد سريالية ترضي شاشات غرف العمليات والأقمار الصناعية، في انتظار مخيّلة جديدة للشواء البشري تعيد الألق للموت الإلهي. نحكي إذاً، عن موتى بلا أسماء، وموتى مؤجلين، على مرمى قذيفة طائشة أو مذبحة، أو محرقة. هكذا يستعيد الموت هيبته، ما إن تفتقد نشرات الأخبار إلى لحم طازج يشبع شهية العدسة إلى مشهدية فاخرة، أليس موتاً سورياً؟ تعالوا إذاً، إلى الماركة العالمية المشهورة، الممهورة بختم الأخوة الأعداء. موت فادح وبضاعة رابحة، ومهرجون يخترعون أسباباً لتمزيق الجغرافيا ودفن التاريخ. ما يفترض أنه ربيع اللوز اختلط ببقايا دم وعظام وشهقات. لوز داكن بنكهة جثث ممزّقة مدفونة على عجل تحت تراب رطب، تراب بخواص كيميائية جديدة تعمل على تحويل الأجساد إلى سماد طبيعي. انتبه أيضاً، إلى طعم الخسّ، ألا تلاحظ أنّ لكل ورقة منه نكهة مختلفة؟ إنها ببساطة رائحة بشر كانوا هنا، قبل الهلاك مباشرة. لنتكئ إذاً، إلى ما قالته فروغ فرخزاد قبل انتحارها بقليل «أعتقد أن من الممكن أخذ الحديقة إلى المستشفى/ أعتقد أن قلب الحديقة تورّم تحت الشمس/ قلب الحديقة ينزف بهدوء، ذكريات خضراء».