ترويج الشائعات حول مغادرة بلال بدر معقله في حيّ الطيرة كان آخر المناورات التي لعبتها الجماعات المتشددة في المخيم، ليل أمس، بعد التقدم الذي حققته «فتح» في مربع بدر الأمني إثر إعلان القيادة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية «الاستمرار بالمعركة حتى السيطرة على حي الطيرة وإنهاء حالة بدر»، بحسب قائد القوات اللواء صبحي أبو عرب.
«القرار الحاسم» أعقب ساعات من المفاوضات التي عرضت على فتح للقبول بوقف إطلاق النار مقابل تواري بدر وانتشار القوة الأمنية المشتركة في معقله. المفاوضات التي أجّلت الحسم، قادها رئيس «الحركة الإسلامية المجاهدة» الشيخ جمال خطاب و«عصبة الأنصار الإسلامية» وحركة «حماس» الذين تعهدوا بضمان التزام بدر التواري وانقطاعه عن أي عمل أمني أو عسكري. «استشارت فتح الجيش اللبناني الذي رفض إعطاء فرصة للإسلاميين بعد فشل تعهداتهم السابقة»، بحسب مصدر أمني فلسطيني. وبالفعل، أبلغت «فتح» قرارها بالحسم، في اجتماع دعا إليه خطاب قبل ظهر أمس في مسجد النور، فانسحب المفاوضون احتجاجاً، وأعقب ذلك هجوم مباغت نفذته المجموعات التكفيرية على مواقع «اللينو»، ما جدد الاشتباكات ظهراً بعد هدوء حذر سجل صباحاً.
مجدداً، حاول فريق التفاوض الثلاثي طرح مبادرة التسوية القائمة على تواري بدر. وزار وفد تفاوضي عصراً رئيس فرع استخبارات الجيش في الجنوب العميد خضر حمود، طارحاً أن يسلم بدر نفسه لـ «العصبة» التي تعهدت وضعه في الإقامة الجبرية مقابل أن تنتشر القوة الأمنية المشتركة في معقله في حي الطيرة. بعد رفض حمود العرض، استنجد الوفد بالشيخ ماهر حمود الذي أجرى اتصالات بالرئيسين ميشال عون ونبيه بري اللذين ربطا القرار بالجيش الذي يعود إليه تقدير الوضع الميداني، لتعود سخونة الاشتباكات مساءً.

التكفيريون يتوحدون
خلف بدر وإجماع فصائلي فلسطيني على إنهاء ظاهرته


ورغم «الوحدة الفتحاوية»، العلنية على الأقل، إلا أن تأخير الحسم أثار تساؤلات وتحذيرات من تدحرج الأمور نحو «سيناريو نهر بارد جديد»، وهو ما أشار إليه الشيخ حمود الذي وصف ما يحصل بـ «المهزلة، لأن الأمر يُفترض أنه يحتاج ساعات للحسم»، متسائلاً: «هل يُراد الحسم أساساً؟»، ومشيراً إلى «تخلخل الإجماع على القضاء على هذه الظاهرة بسبب تأخر حركة فتح عن التحرك».
وفيما استدعت «فتح» مؤازرة عسكرية من مخيمي البرج الشمالي والرشيدية، إلا أن اللافت أن المشاركة الأبرز سجلت لكتيبة من «الجبهة الشعبية ــــ القيادة العامة». وأكد «أبو راتب»، المسؤول الأمني والعسكري للجبهة، إرسال ٨٠ عنصراً للمشاركة في المعركة، مشدداً على أن «القرار اتُّخذ لحسم المعركة نهائياً ضد بدر». وقد سهّل الجيش دخول قوات الدعم، وشدد السيطرة على المعابر غير الشرعية منعاً لتسلل مسلحين لنصرة التكفيريين.
بدوره، مسؤول «الجبهة الديموقراطية» في لبنان علي فيصل، أكد لـ «الأخبار» «إجماع القيادة السياسية للفصائل الإسلامية والفلسطينية على إنهاء حالة بدر، ولم تعترض أي جهة أو أي طرف من الإسلاميين على هذا القرار». وفيما شدد مقربون من «حماس» على أن «هناك نية للحسم ضد بدر منذ زمن، وهو أمر مطلوب لبنانياً وفلسطينياً»، وأن «لا علاقة لما يجري بالإرهاب العالمي»، قالت مصادر في «حركة الجهاد الإسلامي» لـ «الأخبار» إن «القرار اتُّخذ فلسطينياً لإنهاء هذه الظاهرة، ولا عودة عن هذا القرار. وكل القوى الفلسطينية مجمعة على أنه لم يعد مسموحاً بأن يبقى بلال بدر وظاهرته، وأي طرف سيتدخل لنصرته سيُواجَه». وأكدت أن «لا أحد يفكر في توسيع رقعة الاشتباكات. تدخلت عصبة الأنصار لمنع تمدد الاشتباكات إلى أحياء أخرى داخل المخيم، ونشرت عناصرها في مناطق سيطرة مجموعات إسلامية أخرى تسرب عناصر بدر إليها».
مصادر أمنية حذّرت بدورها من أن «إطالة أمد المعركة قد يدخلها في بازار الخلافات الفتحاوية والفلسطينية والعربية». لكنها اعتبرت أن انضمام أمير «كتائب عبد الله عزام» توفيق طه إلى المعركة إلى جانب بدر «سيؤجج النار المشتعلة بما يحرج كل القوى الفلسطينية ويجعل التراجع عن مطلب استسلام بدر شبه مستحيل، وإلا فسيقع المخيم وكل هذه القوى أسرى بدر في تكرار لتجربة تيار المستقبل وأحمد الأسير في صيدا».

من يقاتل من؟

يبقى أنه بعد أربعة أيام من المعركة المتواصلة، لم تنفد ذخيرة التكفيريين ولم ينقص عديدهم. فممن يتألفون؟
وفق المصدر، تمكنت الجماعات المتشددة في المخيم من إعادة تجميع صفوفها بعد تشتتها عام 2007 عندما دخل الجيش إلى تعمير عين الحلوة، مُنهياً حالة «جند الشام». لكن اندلاع الأزمة السورية أسهم في تجميع بقايا «جند الشام» و«فتح الإسلام» و«كتائب عبد الله عزام» التي شكلت في ما بعد تجمع «الشباب المسلم». عودة عدد من أبناء المخيم بعد معركتي القصير والقلمون برفقة العشرات من المقاتلين السوريين والعرب، ولا سيما السعوديون والتونسيون والمصريون، أسهم بتعبئة جيل الشباب والنازحين السوريين واستقطابهم إلى الفكر التكفيري. وشكّل المخيم ممراً أو مقراً لرموز من «القاعدة» و«النصرة» و«داعش» وغيرها، من بينهم أمير «الكتائب» السعودي ماجد الماجد والموقوف أحمد الأسير وجماعته والمطلوب شادي المولوي. التعبئة والاستقطاب والتدريب العسكري في بستان الطيار وبستان اليهودي وإدخال الذخائر والأموال من خلال الأنفاق والمعابر غير الشرعية، كانت تجري على قدم وساق في ظل تراخي «فتح» والقوى الوطنية الفلسطينية. التراخي بلغ أشده في السكوت عن الاغتيالات التي طاولت قيادات الحركة والتي اتهم بدر بتنفيذها، ثم في موافقتها المتكررة على وقف إطلاق النار في الاشتباكات التي اندلعت بينها وبين المتشددين.