نجح أحد المختبرات الأميركيّة في تطوير لحوم دواجن صحية وسليمة وشهيّة أيضاً، ولا يمكن تمييزها عن اللحوم الطبيعية التي تؤخذ من أجساد الطيور. وفي عدة اختبارات تذوّق، أظهرت النتائج عدم قدرة المتذوّقين على تمييز النكهة بين اللحوم الطبيعية، وتلك الاصطناعية المنتجة في المختبرات. تعمل الشركات المبادرة على تطوير هذه التقنيات العلميّة بهدف الوصول إلى قدرة إنتاج تجارية لهذه اللحوم التي يمكنها أن تعطي كافة المكونات الغذائية والبروتينات والنكهة والشكل وكافة التفاصيل الأخرى من دون الحاجة إلى تربية الطيور والمواشي، ودون الحاجة إلى قتلها أيضاً.
التقنيات العلمية

تُنتَج هذه اللحوم عبر استخراج الخلايا الجذعية من عظام هذه الحيوانات أو دمها، وتُغذَّى في بيئة كيميائية ملائمة وموازية للبيئة البيولوجية التي تنمو فيها داخل جسم هذه الكائنات، وذلك داخل "مفاعلات بيولوجية" توفّر هذه الشروط. فعلى سبيل المثال، يمكن إنتاج لحوم الدجاج من هذه الخلايا الجذعية عبر تغذية المفاعلات البيولوجية بسوائل فيها مقادير محددة من المعادن والسكّريات، و"حصدها" بعد أسابيع قليلة جاهزة للاستهلاك ومن دون أي فارق عن اللحوم الطبيعية.

ما هي الخلايا الجذعية؟

تعَدّ الخلايا الجذعية المصدر الذي تنشأ منه كل الخلايا المتنوعة الموجودة في الجسم. يمكن استخراج الخلايا الجذعية من داخل العظام ومن الخلايا الدهنية ومن مجرى الدم، وتستخدم تقنيّات مختلفة لاستخراج هذه الخلايا بحسب المصدر المستخدم. في السنوات الأخيرة أصبح من الممكن "تربية" الخلايا الجذعية عبر دفعها إلى التكاثر في بيئة مختبريّة، ومن ثمّ تحويلها أو تمييزها إلى خلايا اختصاصية مثل خلايا العضل أو الأعصاب. تتميّز الخلايا الجذعيّة بقدرتها على تجديد نفسها عبر التكاثر المتواصل، وبقدرتها على التحوّل إلى خلايا أخرى. تستعمل الخلايا الجذعيّة اليوم في عدة تطبيقات طبيّة، إلّا أنّ أهمّها هو عمليات زرع النخاع العظمي الجاري تطبيقها منذ سنوات طويلة، وهي عمليّة مهمّة لمرضى سرطان الدم أو العظام.

يمكن أن يكون هذا التطور فرصة لتحقيق الأمن الغذائي

هل سيتقبل المجتمع اللحوم الاصطناعية؟

تكمن أهميّة هذه الخطوة في أنها تعطي إمكانية إنتاج واسع للحوم، وربما بكلفة أقل، إذا تطوّرت هذه التقنيات بسرعة. اللحوم هي المصدر الأوّل للبروتينات في سلتنا الغذائية، وتشكل الدواجن نسبة كبيرة من اللحوم المستهلكة، وهي المصدر الأوّل لها في الكثير من دول العالم. هذه القفزة العلمية والتكنولوجيّة في تاريخ الإنسانية لجهة إنتاج لحوم مطابقة لتلك الطبيعية، يمكن أن تكون فرصة لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الموارد المتاحة للمجتمعات البشريّة من جهة، لكن يمكن أيضاً أن تشكل فرصة ربحيّة لبضع شركات تحتكر هذه التقنيّات لتحقيق الأرباح وأخذ حصة من السوق لأهداف تجاريّة بحتة. ستمثّل هذه التقنية إشكالية بين مؤيديها ومعارضيها بحسب طريقة مقاربتها والخلفيات المرتبطة بها، إذ سيعتبر النباتيون وأنصار الرفق بالحيوان أنّها تشكّل بديلاً مهماً للاستهلاك والقتل الواسع النطاق لتوفير الغذاء للإنسان المهيمن على الطبيعة. كذلك إن الذين يقاربون الموضوع من خلفيّات بيئيّة، سيجدون في هذه التقنية وسيلةً للحدّ من تربية الدواجن والماشية التي تنتج كميّات كبيرة جداً من غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري وارتفاع حرارة الأرض وما يرافقها من تداعيات سلبيّة. كذلك، تشكل هذه اللحوم حلاً لمواضيع الأمن الغذائي، إذ ستزيد من كميات اللحوم المتوافرة للاستهلاك، وفي نفس الوقت سيؤدي تراجع أعداد الماشية والدواجن إلى زيادة الأراضي المخصصة للزراعات الغذائيًة مكان زرع الأعلاف، ما يعزز القدرات الإنتاجية المتوافرة للمجتمع.
غير أن اعتراضات كثيرة قد تنشأ لأسباب مرتبطة بالمعتقدات والمفاهيم الموروثة، والقيم الدينية وغيرها التي لن تجد أجوبةً جاهزةً أو سهلةً أمام تحديّات كهذه عند مختلف شعوب الأرض. كذلك، تُطرح مسألة تنظيم هذا القطاع الناشئ وإدارته، إذ قد لا تؤدي الاحتكارات الساعية إلى السيطرة عليه إلّا إلى تسخيره من أجل الأرباح بعيداً عن المقاربات الاجتماعية التي تسعى إلى استغلال الإيجابيّات الكامنة. كذلك تبقى المسألة النفسية والهواجس والشكوك الموجودة حول التأثيرات الجانبية على المدى البعيد وحول مدى ملاءمة هذه اللحوم الاصطناعية للصحة.
وفق مسار الأبحاث والتجارب، تفصلنا ما بين خمس إلى عشر سنوات عن دخول هذه اللحوم الأسواق الاستهلاكية، لكن الأسئلة الخلافيّة ستبدأ قبل ذلك وستأخذ أشكالاً مختلفةً في كل بيئة اجتماعية، إلّا أن الثابت الوحيد أن هذه الثورة العلمية المترابطة التي تمتد من الهندسة الجينية وصولاً إلى تقنيات الاستنساخ مروراً بالقدرة على إنتاج أعضاء حيوانيّة وإنسانيّة وإنتاج لحوم الماشية والدواجن صارت أمراً واقعاً له تطبيقات هائلة في كافة مجالات الحياة العضوية، وهو ما يطرح أسئلة وتحديّات خلافيّة. لعلّ المثال الأقرب الذي يمكن المقارنة معه هو موضوع الأغذية المعدّلة جينياً التي حملت معها الكثير من الإيجابيّات المرتبطة بتحسين الإنتاج ومقاومته لظروف الطبيعة وغيرها من الخصائص إلّا أنها حملت أيضاً سلبيات مرتبطة بالاحتكار وإزاحة المزارعين التقليديين من طريق المنافسة وتعزيز دور الشركات المهيمنة. ستطرح اللحوم الاصطناعية إشكاليات مشابهة، لكنّها ستتقدم تدريجاً إلى الأسواق الاستهلاكيّة وستكون حاضرةً بقوّة في السّوق كما في النقاش العام في خلال بضعة سنوات.